|
شؤون سياسية وأخيرا فإن الاستقلال يعني التخلص من أشكال الظلم والقهر والاستعباد وعندما نحتفل ونبتهج بهذه المناسبة الغالية فهذا يعني أن شعبنا مصر على مواصلة طريق التحرر والبناء من أجل غد أفضل وهو يمضي بثقة واقتدار داعما ومؤيدا كل المقاومين في أرضنا المحتلة سواء في الجولان أو فلسطين أو باقي الأجزاء المحتلة من لبنان وبثقة عالية بالمستقبل، لأنه يعرف تماما أنه لا يضيع حق وراءه مطالب وأن للحرية ثمنا غاليا، وهي تؤخذ ولا تعطى. من هنا فالذكرى غالية على قلوبنا جميعا. لقد بدأت مقاومة الاحتلال الفرنسي لبلادنا منذ وطئت أقدامه أرضنا، فاندلعت الثورات والانتفاضات بدءا من الساحل في طرطوس واللاذقية وفي الشمال والشرق في حلب وجبل الزاوية ودير الزور وانتهاء في الجنوب بدمشق والسويداء ودرعا والجولان. كان المصير المشترك يجمع رؤية زعماء الثورات السورية، ووحدة الهدف جعلتهم يتعاونون معا وفي جميع المجالات لتحقيق النصر، وبإمكاناتهم المتواضعة استطاعوا تحقيق انتصارات باهرة في معارك غير متكافئة مع محتل مدجج بالسلاح والعتاد ويمتلك القوة العسكرية المتفوقة، لقد برهنت سنوات الكفاح البطولي للشعب السوري ضد المحتل الفرنسي أن الايمان بالقضية المطروحة وهي تحقيق الاستقلال والتعاون والدعم المتبادل بين الثوار والقوى السياسية الوطنية وكذلك الاحتضان الشعبي للثوار والمناضلين والاضرابات التي عمت سورية وكذلك المشاركة الفعالة للمرأة في أشكال النضال المختلفة، هذه العوالم جميعا إضافة لتعاطف الشعوب العربية مع الشعب السوري وإيصال قضية الاستقلال إلى الرأي العام العالمي وتعاطف القوى الخيرة في العالم مع سورية المطالبة بالحرية وزوال الاحتلال، هذه العوامل جميعا ساهمت في التعجيل بانسحاب الجيوش الفرنسية عن سورية، وإعلان الاستقلال في السابع عشر من نيسان عام 1946 وبهذا أصبحت سورية أول بلد عربي بل أول من ينال الاستقلال في العالم بعد الحرب العالمية الثانية. فيوم الجلاء يوم الوطن وعيد أعياده ومنه تعلمنا أن للحرية الحمراء بابا بكل يد مضرجة يدق فكان للتضحيات معنى عميق الدلالة، فقد شاركت أطياف الشعب كافة في تحقيقه وكانت المسؤولية واتخاذ القرار مسؤولية مشتركة وكان الهدف الواضح يوحد أبناء الوطن الذين قدموا آلاف الشهداء وبذلوا الدماء وقدموا التضحيات ولم يتوانوا لحظة واحدة عن النضال المسلح والنضال السياسي وأشكال الكفاح المختلفة من اضرابات ومظاهرات واعتصامات كي يحققوا النصر المؤزر وليلتفتوا لبناء الوطن كإخوة يجمعهم الهدف والمصير المشترك وفي الذكرى الثالثة والستين لعيد الجلاء المجيد فإن الذاكرة الشعبية تختزن تلك الصور البطولية التي تنتقل من الأجداد إلى الآباء والأحفاد. واليوم ونحن في سورية نسعى للبناء والتحرير فإن وراءنا إرثا نضاليا مميزا، يلهمنا إلى الطريق الصائبة كي نتقدم ونتحرر ، فالكفاح البطولي لأهلنا في الأجزاء المحتلة من جولاننا الحبيب وكذلك نضال الشعب العربي الفلسطيني ضد المحتل الصهيوني الغاصب يؤكد من جديد أنه لا يضيع حق وراءه مطالب. ورغم قسوة الاحتلال الصهيوني ورغم الدعم اللامحدود الذي يتلقاه ورغم الظروف الصعبة التي يعيشها العرب عموما، فإن قيم التضحية والفداء والقيم الوطنية والقومية والحقوق التي لايمكن التفريط بها تجعلنا نتخذ من ذكريات الجلاء المحفورة في الذاكرة قيما ونبراسا لنا كي نتابع مشوار الأجداد لتحقيق النصر على أعدائنا الصهاينة، وتحدي المستعمرين في فلسطين والعراق ومقاومة الاحتلال والعدوان. لقد وعى أجدادنا أن رفض الاحتلال وتحديد المستعمر يؤديان إلى النصر فكانت أرض سورية مقبرة للغزاة، جراء تضحيات شعبها. لقد استطاع أبطال عظام من أمثال الشهيد يوسف العظمة وإبراهيم هنانو والشيخ صالح العلي وقائد ثورة 1925 سلطان باشا الأطرش وحسن الخراط، والشيخ محمد الأشمر وأحمد مريود وسعيد العاص وغيرهم الكثير الكثير، استطاع هؤلاء الابطال المجاهدون أن يسطروا أروع الصفحات في سفر الزمن، وقدموا للأجيال القادمة انموذجا يحتذى به لتحقيق النصر على الأعداء وبرهنوا أن الحرية دائما تكون معمدة بالدماء وأن التفاؤل والاصرار على تحقيق الهدف لابد أن يؤتي ثماره اليانعة. وما أشبه اليوم بالأمس، فالتضحيات التي يقدمها الشعب الفلسطيني وإخوانهم العرب في الجولان وجنوب لبنان لابد أن تثمر نصرا مؤزرا، فالحرية وتحقيق الاستقلال هما الدنيا وزهوتها. |
|