تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إلى متى تهميش دور الأمم المتحدة ?!

شؤون سياسية
الاربعاء 28/5/2008
غالب حسن محمد

من المعروف بأن الأمم المتحدة قد فقدت في العقدين الأخيرين الجزء الأكبر من وزنها والذي كان قائماً في ظل نظام التوازن الدولي ومرحلة الحرب الباردة,

والكل يعرف أن ماتبقى من وزن أو دور للأمم المتحدة في ظل النظام الدولي الجديد, نظام الأحادية القطبية, قد أصبح ملحقاً من ملحقات الإدارة الأميركية, فالسفير الأميركي لدى المنظمة الدولية يتجاوز دور الأمين العام للأمم المتحدة ويصادر دوره وصلاحياته ومجلس الأمن القومي الأميركي يفرض املاءاته ووصايته على مجلس الأمن الدولي, ووزارة الخارجية الأميركية تتدخل مباشرة في شؤون المنظمة الدولية وكل وكالاتها ولجانها, وباختصار فإن أميركا قد جعلت من نفسها فوق الأمم المتحدة ومن قانونها فوق القانون الدولي, ومن تحالفاتها فوق مبادىء العلاقات الدولية , ومن أمنها فوق نظام الأمن الجماعي العالمي.‏

لقد غاب دور المنظمة الدولية ومجلس الأمن القومي ولم تتحمل هذه المنظمة أية مسؤولية في حفظ الأمن والأمان منذ عام 1990 وحتى احتلال العراق عام2003 بل جرى استخدامها وبشكل مهين ومباشر لتهديد أمن واستقرار وسلامة دولة عضو في الأمم المتحدة والجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي والوكالة الدولية للطاقة النووية ومنظمة الأوبك وحركة عدم الانحياز, ولا ننسى أن مجلس الأمن الدولي قد أصدر في هذه الفترة عشرات القرارات الجائرة والمظلمة بحق العراق, وكلها تحت البند السابع الواجب التنفيذ, ومن يراجع نصوص ومضامين هذه القرارات لايمكن أن يبرىء الأمم المتحدة ومجلس الأمن من الجرائم التي ارتكبت باسم الشرعية الدولية وبغطاء وتمرير منها.‏

وبعد ارتكاب الجريمة الكبرى وقيام أميركا بالسطو المسلح على العراق, لم تغير الأمم المتحدة دورها الملحق بالإدارة الأميركية وبالمشروع الأميركي, وكل ماجرى هو تكييف هذا الدور مع الحالة الجديدة, وشرعنه الاحتلال رسمياً باعتباره أمراً واقعاً قائماً, ثم الاعتراف بافرازاته وشرعنة حكومته ونظامه السياسي.‏

لقد فهمت المنظمة الدولية أن وجودها ونشاطها غير مرغوب فيه وغير مسموح به خارج الملعب الأميركي, الذي رفض تأمين وجود المنظمة أو حمايتها ورعايتها دعمها على أرض العراق وقد همشت المنظمة الدولية, ولم تعد مكاتبها أو ممثلوها المكلفون بمتابعة أو مراقبة الشأن العراقي أكثر من كتبة تقارير وصفية أو احصائية عن كوارث العراق وضحاياه من القتلى والجرحى والأسرى والمعتقلين والأيتام وأطفال الشوارع ومستويات الفقر والجهل وأحياناً عن مستويات النهب والفساد والانهيارات الخدمية والقيمية والاجتماعية التي لم تحصل عبثاً بل حصلت بفعل فاعل فاجر غير مجهول.‏

إن الإدارة الأميركية وبفضل سيطرتها العسكرية والاقتصادية لم تكن لتسمح لأي من خبراء الأمم المتحدة أو أي منظمة تابعة لها بالعمل داخل العراق بشكل إنساني.‏

وكلنا يعلم بدور مجلس الأمن القومي الأميركي وسيطرته المطلقة على مجلس الأمن وقراراته المصيرية.‏

لقد أعدت الإدارة الأميركية ثلاث اتفاقيات ربط محكمة طويلة الأجل تجعل من العراق مستعمرة أميركية ولكن بلباس دولة مستقلة ذات سيادة صورية, ولعل الأمم المتحدة أكثر من تعرف بأنه لا توجد في العراق المحتل الآن دولة مستقلة ذات سيادة.‏

الاتفاقية الأولى: هي اتفاقية الربط السياسي التي تمنع العراق من مغادرة بيت الطاعة لأي سبب من الأسباب, والتي تجعل النظام السياسي القائم في بغداد الأداة والوسيلة لتسويق المشروع الأميركي داخل العراق من خلال ماتسميه العملية السياسية المختارة بدقة لتمريره وتشريع مايضمن مصالح الاحتلال على المدى القريب والبعيد, دون الالتفات إلى المصالح الوطنية.‏

أما الاتفاقية الثانية فهي اتفاقية الربط الاقتصادي بعيد المدى وأهم مافيها ضمان احتكار إنتاج وتسويق النفط والغاز لأكثر من ثلث قرن قادم.‏

و فيما يتعلق بالاتفاقية الثالثة : وهي الأخطر فهي اتفاقية الربط الأمني والعسكري التي تبقي للمحتل نوعاً من القواعد العسكرية الثابتة, النوع الأول عبارة عن أربع قواعد استراتيجية ذات مهام إقليمية ومرتبطة بمنظومة القواعد والأساطيل العسكرية الأميركية في عموم الشرق الأوسط, والنوع الثاني عبارة عن عشر قواعد رئيسية ذات مهام لوجستية محلية منها لحماية المصالح والنفوذ الأميركي واستمرار التحكم والإمساك بالقوات المسلحة والأجهزة الحكومية المحلية وكل مايقال عن جدولة الانسحاب في هذه الاتفاقية هو كذب وتضليل وخداع لأن الجدولة المطروحة لتخفيف عدد وعديد القوات لاتشمل بأي حال من الأحوال الثابت من هذه القوات في القواعد المذكورة.‏

أخيراً وفي ضوء ماتقدم, يبرز السؤال المهم, وهو سؤال يتردد على لسان كثير من العراقيين وهو لماذا لاتتحمل الأمم المتحدة مسؤولية إدارة العراق لفترة انتقالية محددة تتولى فيها تأمين الاستقرار وتحقيق المصالحة وتصحيح المسارات المنحرفة للاحتلال?!.‏

وإذا ما أرادت الأمم المتحدة أن تلعب دوراً مستقلاً قادراً على التدخل وإيجاد الحل المناسب, فإن الاعتراف بالمقاومة الوطنية والقبول بشروط الحوار معها ومحاسبة الاحتلال على كل جرائمه هو الخيار الأنسب, وبعكس ذلك فإن ملف العراق سوف يضيع في أروقة الأمم المتحدة مجدداً, الأمر الذي يظهر ضعف وعجز المنظمة الدولية كما ضاع ملف فلسطين منذ النكبة وحتى الآن.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية