تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


لبنان المقاوم... وموقعه في الفكر الصهيوني

شؤون سياسية
الاربعاء 28/5/2008
توفيق جراد

تعرض لبنان في السنوات الثلاثين الماضية إلى غزو عمليات إسرائيلية أخذت أسماء مختلفة,ففي شهر آذار من عام 1978 كانت عملية (الليطاني),

وفي عام 1982 كانت (سلامة الجليل) التي ما انتهت عملياً إلا يوم التحرير في الخامس والعشرين من أيار عام ,2000وما بين هاتين العمليتين كانت عملية (تصفية الحساب) من 24-31 تموز وعملية (عناقيد الغضب) نيسان .1996‏

وإذا كان هدف العملية الأولى إبعاد الفصائل الفلسطينية أو إبعاد منظمة التحرير الفلسطينية إلى شمال الليطاني باعتبارها (المنظمة) النقيض التاريخي لإسرائيل,فإن هذا كان جزءا من أهداف عملية (سلامة الجليل) التي اختلقت أسبابها بمحاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن وكان الرأي المعلن آنذاك هو إبعاد الفصائل الفلسطينية مسافة (مرمى المدفعية) الذي استقر الجدل بشأنه أن يتم الإقصاء مسافة 40 كيلو متراً وإذ بالرباعي بيغن وشارون (وزير حرب) وروفائىل إيتان (رئيس الأركان) والكسندر هيغ قائد قوات الأطلسي في أوروبا الذي جيء به ليكون وزيرا للخارجية في إدارة رونالد ريغان يتفقون على الوصول إلى بيروت لتكون العاصمة العربية التي تخضع للاحتلال والهدف إقناع اللبنانيين بأن ما ترونه أمراً سيئاً بالنسبة لكم سببه الفلسطينيون الذي يتعين إبعاد قوتهم المسلحة إلى خارج لبنان.‏

( لا احتلال يدوم مع المقاومة,والمقاومة الوطنية لا بد أن تنتصر ويندحر الاحتلال).‏

هذه الحقيقة جسدتها (عملية الويمبي) التي نفذها »خالد علوان) وما تبعها من عمليات مستمرة داخل بيروت انتهت إلى أن أذاع جيش الاحتلال بيانا (25/9/82) عبر مكبرات الصوت,كلامه واضح وصريح,معبر ودقيق,موجه إلى أهالي بيروت جاء فيه :» يا أهالي بيروت الكرام..يا أهالي بيروت الأعزاء..لا تطلقوا النار على جيش الدفاع الإسرائيلي! غداً سوف يترك جنودنا بيروت).‏

وانسحب الجيش الإسرائيلي,بعد أن أشرف على تنفيذ مجزرة صبرا وشاتيلا في أيلول .1982‏

قد يقال إن هناك عوامل كثيرة أدت إلى ذلك الانسحاب ولكن مهما تعددت »الأسباب) فإن السبب الأكثر فاعلية وهو السبب الذي يعني المقاومين والذي يرون فيه مستقبل التحرير هو هذه »المجابهة الوطنية لجيش الاحتلال).‏

إن عمليات الغزو التي تعرض لها لبنان منذ عملية المطار 1969 وقبلها تطرح السؤال التالي:‏

ما موقع لبنان في الفكر الصهيوني?.‏

يجد الموقف الإسرائيلي من لبنان جذوره في نهاية الحرب العالمية الأولى عندما اتفق الفرنسيون والإنجليز على »اصطناع) حدود مفتعلة لدول وضعتها عصبة الأمم تحت »الانتداب).‏

في تلك الفترة كان الحكام الصهاينة يحلمون بحجم الوطن الذي وعدهم به »بلفور) في إعلانه 2 تشرين الثاني ,1917هذا الحلم جسدوه في مشروعهم المقدم لمؤتمر السلام في باريس عام 1919 إذ كان نهر الليطاني يمثل الحدود الشمالية ل »الوطن المتخيل).‏

بعد ست سنوات من إقامة الكيان الصهيوني عام ,1948وانسجاما مع الميزة التوسعية لهذا الكيان,ظهرت رغبة لدى الحكام الإسرائيليين في اجتياح لبنان لإقامة »نظام جديد) والسيطرة على الأراضي الواقعة »جنوب الليطاني).‏

هذه الرغبة يجدها المهتم بالشأن الإسرائىلي محفوظة في المذكرات الخاصة لموشيه شاريت,رئيس الحكومة الوارث ل»بن غوريون) الذي بدا لأسباب سياسية »واقعية) وليس لعدم الرغبة في عامي 54-55 معارضا اجتياح لبنان,ولئن كانت الحكاية كما تقول »لورا زيتران آيزنبيرغ) في كتابها »عدو عدوي) my enemys enmmy (لبنان في التصورات الصهيونية المبكرة 1900-1948) تعود إلى عام ,1907حين قدم حاييم وايزمن بعد جولة في لبنان توصياته إلى المؤتمر الصهيوني ترجمت طلبات قدمت إلى مؤتمر السلام في باريس ,1919ثم شرعت تأخذ دورها في التخطيط استعدادا للتنفيذ في العام 1954 عبر رسائل من بن غوريون إلى شاريت كانت أولاها يوم 27 شباط ,1954تقول الرسالة:» قد يكون الوقت مناسبا لإثارة مسألة خلق دولة مسيحية إلى جانبنا بدون مبادرتنا ومساعدتنا ,لن يحصل ذلك ,هذه مهمتنا الرئيسية حاليا أو إحدى مهمات سياستنا الخارجية الرئيسية يجب استثمار الوقت والجهد والتحرك بكل الوسائل بهدف الوصول إلى تغيير أساسي في لبنان.‏

يجب استعمال كل المستعربين arbisants لدينا وإذا احتجنا المال فلا يجب إحصاء الدولارات حتى ولو بدا ذلك هدرا) وختم بن غوريون رسالته قائلا:» إن عدم اغتنام هذه الفرصة لن يمكن التسامح معه ولن يكون من جانبنا استفزاز لكبار هذا العالم).‏

رفض شاريت الفكرة من باب التحفظ لا أكثر أما الكبار الذين تحدث عنهم بن غوريون فهم الفرنسيون والبريطانيون الذين عرضت عليهم الفكرة في مفاوضات جرت في ضاحيةsiveres »سيفر) القريبة من باريس لوضع خطة »عملية السويس) (قادش),هكذا يقول موشيه دايان في مذكراته إذ كان بن غوريون يتصور »شرق أوسط) مختلفا » تزول من على خارطته دول) لقد رفض الفرنسيون الفكرة عام ,1956يقول دايان:‏

إن مرحلة تحقيق هذا الحلم لم تبدأ عام ,1978وإنما عام 1982 عندما توافرت الحوامل اللازمة لهذا التحرك:الرباعي..بيغن-شارون-إيتان والكسندر هيغ في الولايات المتحدة ( والأخير كان من رواد المحافظين الجدد وهو أول من جاهر بعسكرة السياسة الخارجية الأميركية) في بداية الحملة (غزو لبنان سنة 82) قال بيغين:إنها ستجلب لنا 40 عاما من السلام.‏

أقام الإسرائيليون منطقة عازلة في الجنوب اللبناني منذ العام 1978 وأحدثوا وكلاء يقومون بالمهمات القذرة وتحقيقا لأهداف الغزو أنشأ الإسرائيليون اتفاق 17 أيار 1983 ومنحوه صفة »اتفاق لجلاء القوات الإسرائيلية) عن لبنان.‏

في هذا الصدد قال وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه آرينز في ملحق يديعوت أحرونوت (13/5/1983):» كنا نقول إن لبنان سيكون الدولة العربية الثانية التي ستوقع معنا معاهدة سلام,إن لبنان أهم من الدول العربية الأخرى إنه جسر إلى العالم العربي) وفي تفسيره لهذا القول رأى الكاتب الصحفي الإسرائيلي المختص بالشؤون العربية أمون روبنشتاين إن »السيطرة على هذا الجسر(لبنان) هي في جوهر التحرك الإسرائيلي)‏

يجيب آرينز في مقابلة مع صحيفة دافار (17/5/1983) قائلا:» لقد طبعنا عدة طبعات لمنطقة سعد حداد قبل عملية الليطاني وبعدها,إن سعينا الأساسي ليس توسيع هذه المنطقة وإنما إلى تغيير سياسي في الوضع وقد جاء هذا التغيير نتيجة مباشرة لحرب سلامة الجليل) .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية