تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


شعراء الثمانينات في العراق.. مشهد تجتاحه حرقة النقد

كتب
الاربعاء 28/5/2008
حسن ناظم أحد النقاد العراقيين الذين كونوا الجزء الأساسي من ثقافتهم في الثمانينات, واستثمرها في التسعينيات لنيل الشهادات الأكاديمية العليا,

وعاش في العاصمة بغداد حلم المثقفين العراقيين جميعاً, وعاش وسط عباب بغداد الثقافي الزاخر مصطفياً من ثقافاتها ثقافة النقد.‏

ثمة ميزة في النقد العراقي في عقد التسعينيات, ينبغي أن نعترف بأنها شكلت حادثة مهمة في ثقافة الجامعة العراقية التي صمدت عبر عقود من الزمن في وجه الهزات العاتية التي أرادت أن تجعلها عرضة لعملية تجديد واسعة في معارفها وعلومها. هذه الحادثة, تمثلت في خلق لحظة مواجهة معرفية فاصلة بين فريق من طلاب الدراسات العليا بمساندة عدد من الأساتذة الأكثر وعياً بضرورة التجديد ومشروع حسن ناظم النقدي, الذي ينتسب إلي هذا الجيل, يندرج في إطار المحاولات الساعية إلى جعل المثل الأكاديمية أساساً إصلاحياً للنقد العراقي داخل الجامعة وخارجها.‏

وجاء كتابه الأول مفاهيم الشعرية 1994 كحالة انشغال كامل في كيفية تأسيس ابستيمولوجيا لإدراك النص الأدبي في حين أن كتابه الثاني: البنى الأسلوبية: دراسة في أنشودة المطر للسياب 2003 محاولة للتوفيق بين المقدمات والابستيمولوجيا للقراءة الأسلوبية وقراءة تطبيقية تعنى بالوقوف على الانفرادات الأسلوبية للشاعر بدر شاكر السياب.‏

في دراسته هذه: النص والحياة يحاول أن يعيد تأمل هذه العلاقة -بين النص والحياة- بعيداً عن أي تعسف ايديولوجي كانت تقتضيه دعوات الالتزام, أو منحى إصلاحي كانت تقتضيه الوضعية المعرفية للعرب في بواكير القرن العشرين, ولعلها أفلحت أيضاً في التخلص من تعسف آخر غير ذلك التعسف الايديولوجي وهو التعسف المنهجي, فهي تحاول أن تخفف من غلواء الالتزام الحرفي بالمناهج الحديثة, ومن المهمة الثقيلة التي ألقيت على عاتقها في إعادة قراءة النصوص, الأمر الذي خلط حابل النص بنابل المنهج, فكانت عاقبة ذلك على الأغلب, مذابح نصية تناثرت فيها أشلاء أجمل نصوص الشعر العربي.‏

يبدأ حسن ناظم نصوصه النقدية ببحث عنوانه (شبحية النصوص وعنف الواقع) وجاءت كلمة لأندريه بريتونا تعود لعام 1942 بمثابة توطئة لما يريد قوله حسن ناظم.‏

(لقد لونت الحروب وجوهنا: فهناك المقيمون, والمهاجرون, والمحتجزون والمنفيون, والمغتربون طوعاً أو كرهاً, والأحياء والموتى, وما بينهما المفقودون, أولئك كلهم حاولوا بطرقهم التعبير عن الواقع الذي نحياه. فمنهم من ارتضى السكينة تعبيراً عن استعصاء الوضع, ومنهم من تمرد ومارس الفعل والقول أو كليهما, ومنهم من آثر الانتظار حتى تنجلي غمامة الحروب).‏

ما يهم من هذه النصوص أنها تشكل الثقافة, نصوص عايشت الحرب والحصار: الكارثة إجمالاً. نصوص زامنت هذه الكارثة, ونصوص مرجأة اختبأت في زوايا معتمة تتهيأ للتعبير في جو مطمئن... نصوص أزاحت لمعة الضوء وخاضت في أخاديد الواقع المتجهمة وزواياه وظلاله. نصوص لم يكن أمامها سوى صف الآلام الطويل, وأرتال الهجرة إلى الأمكنة الخفية تنحشر فيها بملامح أو دونها وأناس كأعقاب سجائر في مرمدات.‏

عايشت الثقافة المعاصرة بالعراق حربين طاحنتين انتظمتا عقدين تامين, وما بين حرب وحرب تلونت الثقافة بالعراق تبعاً لتلون الظروف السياسية والاقتصادية, ما بعد البياتي والسياب, بقي الشعر التجريبي (غاطساً) حتى أذنيه في معالجة قضية الشعر والنثر, وتداخل الأجناس, وصهرها وإلغائها, والآن كما يؤكد حسن ناظم كم نحس بالعبث والقذف وسوء التقدير حين نعود القهقرى لتأمل تلك الحال. كان هناك قصيد لا ينتهي, قصائد طوال متناسلة, وطولها فقط هو ما يمكن أن يوازي تلك الحروب الطويلة, فكأن ندرة القراء وكثرة المنشئين تواضعتا على تعبير واحد من القرف: مواجهة الضجيج بالضجيج والهرب من الخارج إلى الداخل, وتمييع النص أمام سطوة قبضة السلطة. كان الشعر يحمل على الداخل بقوة وصبر يضاهيان قوة حمل السلطة على الخارج دون صبر. وكان النقد يشفي غليله من داخل النصوص متجاهلاً ما تحيل عليه (خارجها) ما دامت النصوص نفسها تجاهلت خارجها أصلاً. الشعر والنقد كانا يستأنسان ببعضهما وكأنهما يبرمان اتفاقاً يفلسف النسيان: الشعر يسترخي على الورق, ويفرغ حرقته في اللغة ويفجرها. أما النقد فيدس ألغامه في طيات النصوص ليستمتعا معاً بمشهد الانفجار.‏

مشهد يساوق مشهد خراب الأرض المدمرة, والنخيل الممزق, والأسر التي دب فيها الانحلال..‏

(الموقف من البنيوية, شعرية العابث, والغسق الخرب, النقطة, دراسة في معاني الحروف, بين الغياب والتواري) نصوص نقدية يتعرض فيها الناقد لشعراء الثمانينات: علي عبد الأمير, عقيل علي, عبد الستار الناصر. سعيد الغانمي..‏

الكتاب, النص والحياة, الكاتب حسن ناظم‏

صادر عن دار المدى 2008 في 184 صفحة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية