|
كتب وخلاصاً نوعياً! إنه خارطة للغطس..للقلق من أجل تشكيل وعي جديد..بعيداً عن الفوضى والنزق والأحكام المسبقة التي حملتها معك منذ طفولتك لتسأل الآن وغداً ..لماذا تعلمنا رفض وجود اسرائيل بيننا?بالفطرة..وبالصوت والصورة لأنها ببساطة تستفحش في القتل والهدم والاعتقالات والتهجير..وأمام شاشات التلفزيون ,ولا تتحرك حتى الجمعيات الخيرية أو الإنسانية في أميركا ولو بإصدار بيان استنكاري,لا بد لنا من البحث عما يساعدنا في فهم ذلك بأكثر من القول: إن المصالح الأميركية تقتضي من الولايات المتحدة أن تساند (اسرائيل)..ولتسأل أيضاً..لكن منذ متى بدأت هذه المصالح تتشكل,وكيف أمكن لمجموعة من البشر كانوا دائماً قلة في العدد من أن تمارس طغيانها ,وكيف تم هذا الانتقال من اليهودي المرذول (شايلوك مثلاً) في أوروبا إلى اليهودي المتماهي مع العقل المسيحي الأوروبي الآن? كانوا قد قرروا من خلال ركام عال من الدراسات الأكاديمية أنه لم يكن هناك تاريخ في فلسطين إلا التاريخ اليهودي,وهذا لم يكن بحثاً في التاريخ أو بحثاً عن الحقيقة,بل كان جزءاً من المشروع الصهيوني الذي يفعل فعله في العقل الأوروبي مثلما يفعل اللوبي الصهيوني فعله في كواليس السياسة العالمية المعاصرة.. نعلم جميعاً قوة وتأثير اللوبي الصهيوني في العالم..ولكن كيف يتم هذا التأثير وما مدى سيطرته حقيقة وبالوثائق,فإن ممدوح عدوان يسترسل ويتصدى لكثير من المراجع البحثية والصحفية ليؤكد أن الدراسات ضمن المؤسسات الأكاديمية التي تضغط بثقلها العلمي,وبحيث تحول الاجتهاد إلى رأي عام ثم إلى بديهية مسلم بها هي من ضمن عوامل مساعدة ترعرع فيها النفوذ اليهودي(وليس مجرد ضغوط بالمال للسيطرة على الإعلام وقرارات الدول)..بل هي عوامل ساعدت هذا اللوبي على الوجود.. في الوقت الذي كان المشروع الصهيوني يتبلور حركة سياسية ثم استعمارية ثم استيطانية كان هناك مشروع يهودي,صهيوني ومتصهين غير يهودي بالضرورةيجتاح العقل الأوروبي الذي يستعمر العالم مادياً وثقافياً وفكرياً ... وحين سيطروا على العقل الأوروبي الغربي سيطروا على عقل العالم,وحين يكتب الشاعر بايرون(قصائد عبرية) عن حق اليهودي في أن يكون له بيت شأن الطيور والحيوانات ويوجه (نابليون) نداء إلى يهود العالم أن بعثهم قد أزف بمجيئه ,وقد جاء وقت خلاصهم ,وحين وقف لامارتين أمام مجلس النواب الفرنسي قائلاً:(بريطانيا تريد جمهورية يهودية,وفرنسا يجب أن تصر على مملكة مسيحية عاصمتها القدس) فهذا يعني أن المسألة أكبر بكثير من الاكتفاء بنظرية المؤامرة والضغط الاقتصادي لتفسيرها. هناك تيار فاعل ومؤثر جعل هذا التماهي بين المسيحية الأوروبية واليهودية ممكناً.لقد سعى اليهود ببراعة للتغلب على الكراهية المترسبة عن دور أجدادهم في قتل المسيح ,وقد نجحوا أخيراً باستصدار فتوى تبرئتهم من دم المسيح .. ثم بدأت الحملة المضادة لتتوصل إلى أن المسيح نفسه يهودي ولكن هذا لم يتم بسهولة.هناك تراكم من عمليات سرقة المسيح من أصله ونبوته لإحالته إلى اليهودية..وقد تم ذلك في ميادين متعددة..سيأتي (تهويد المعرفة) على ذكرها.. دائماً كان ممدوح عدوان يقول..بأنه ليس لديه مشروع..لكنك حين تقرأ هذا الكتاب (على الأقل) ستدرك بعين يقينك أن مشروعاً كان وهو أن نكف عن النواح,وأن لا نبقى في حرائق الذاكرة وإن الحياد لم يعد ممكناً ولا مبرراً. بوضوح وهدوء يفوقان الدهشة يسترسل ممدوح عدوان في (98)صفحة كيف ومنذ متى تم تهويد المعرفة,ليضع خطة مناوئة لتعريب المعرفة بوخزنا بحقائق التاريخ,الذي استخدمه اليهود..وكيف زجوا أنفسهم بأبجدية أوغاريت (رأس شمرا) أول أبجدية في التاريخ..وتم اللجوء إلى استخدام نوع من التعابير الغائمة التي يمكن أن تذكر باليهود دون ذكرهم بالضرورة ,ولكن بما يمكن أن يوحى بهم. إن الاستشراف في أبهى صوره المعاصرة..هو أن تقرأ وتجمع وتوثق..وتستشهد,ثم تختزل وتختصر ليكون كلامك حاراً . حيوياً متدفقاً..ليس صلفاً ولا حيادياً..لكنه متواطىء..تواطؤاً مشروعاً..يتركك بعد أن تنتهي قراءة وتحليلاً ..والمرارة قد بلغت حلقومك ليقول أخيراً..هذه المسألة لم تكن واضحة تماماً للكثيرين من العرب المتخصصين ..إنهم يؤلبون العالم ضدنا,ويحشدونه معهم,هذا إذا اضطروا إلى الاعتراف بأننا موجودون,ونحن كنا دائماً نتجاهل العالم معتقدين أن إيماننا بحقنا يكفي لإنجازه,وأننا نستطيع الاستغناء عن العالم..وفي كثير من الحالات يتوقف رد فعلنا عند الامتعاض المستسلم:(إنهم يسيطرون على الإعلام) ولكنهم في الواقع كانوا يصنعون عقل العالم المعاصر..ولم تكن العملية متوقفة على الإعلام..بل هي ممتدة في الأكاديميات والدراسات التاريخية ,وتصنيع الموسوعات العلمية وتغذية الأنترنت بالمعلومات. وسنكتشف الآن حجم الخسائر الحقيقية التي تعرضنا لها.. -صدقت يا كليب- الكتاب صادر حديثاً - طبعة ثانية عن دار ممدوح عدوان - دمشق |
|