تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قراءة في حدث...العدو واحد

آراء
الاربعاء 28/5/2008
د. اسكندر لوقا

قرأت في إحدى المسرحيات, ربما قبل ثلاثة أو أربعة عقود, أن بلدة في بولونيا لم تستطع خلال الحرب العالمية الثانية تجنب تداعيات قصف بعض أحيائها من الجو,

حيث الإصابات لحقت بأطفالها ونسائها وشيوخها من دون تمييز, وبرر مؤلف المسرحية ذلك بقول ما معناه أن القذيفة أيا كان مصدرها براً أو بحراً أو جوا لا تفرق بين مواطن وآخر من مواطني البلدة أو المدينة التي تكون هدفا للعدوان.‏

في هذا السياق يستطيع أحدنا تذكر العديد من الأحداث التي تعرضت لها بلادنا على سبيل المثال, وخصوصا في أوساط القرن العشرين , أيام تعرضت للعدوان الفرنسي في التاسع والعشرين من شهر أيار عام ,1945 يوم كانت المدن السورية على اختلاف شرائح سكانها تتعرض للقصف برا وجوا, ولم تكن القذائف التي تطلق فوق رؤوس المواطنين في مدينة دمشق كما في المدن السورية الأخرى, لم تكن تفرق بين من كان مؤيدا للانتداب ومن كان ضده أو كان على الحياد, كذلك لم تفرق بين من كان رضيعا في حضن أمه ومن كانت قدماه على حافة القبر, ذلك لأن القذائف الموجهة باتجاه الأحياء داخل المدن كانت تضرب الأبرياء من النساء والرجال, كبارا صغارا, وبلا حساب لتبعات نتائج مثل هذا العمل.‏

استعدت في ذاكرتي بعضا من أحداث المسرحية التي لم أعد أتذكر اسمها أو اسم مؤلفها للأسف, وأنا أقرأ جملة وردت على لسان العماد ميشيل سليمان قبل ثلاثة أيام من وصوله إلى سدة الرئاسة رسميا في لبنان نشرت في سياق حديث أجرته معه صحيفة (القدس) إذ قال بالحرف: عدونا واحد هو إسرائيل, والشعب كل الشعب مع المقاومة لأن العدو الإسرائيلي لا يفرق بين لبناني وآخر.‏

وبطبيعة الحال, فإن رؤية كهذه لا تجانب الواقع حين تصدر عن مسؤول رفيع المستوى, وفي ظرف دقيق, لابد أن تثير في الذاكرة أحداثا يمكن العودة إليها لتؤكد واقعيتها من جهة وموضوعيتها من جهة أخرى. وفي السياق المتصل يمكن للقارىء أن يستعيد في ذاكرته البصرية صوراً لمدن عديدة تعرضت للقصف الجوي أو البحري أو البري, خلال الحربين العالميتين السابقتين تحديدا, على نحو ما ترويه لنا صور برلين وباريس وموسكو وروما وسوى ذلك, وهي من البراهين التي لا تحتمل أي توضيح سوى أن العمليات العسكرية التي تنشب في ظروف الحرب, بداية كانت الحرب من جانب المعتدي أم كانت ردا على الاعتداء من الجانب الذي يتصدى لها دفاعا عن وجوده.‏

ولهذا الاعتبار, غالبا ما يصدر التاريخ حكمه على البادىء بالحرب, أو في أدنى درجات اللجوء إلى العمليات العسكرية, على البادىء بمحاولة إرغام هذه الدولة أو تلك كي ترضخ للأمر الواقع والاستسلام لإرادة الأقوى بين المتنازعين على اقتسام الغنائم أو تحقيق المكاسب على حساب الطرف الآخر.‏

إن التذكير بأن المعتدي لا يفرق بين من هو مع أو ضد أو على الحياد, وفي زمن كزماننا هذا, جدير بأن يتوقف عنده المتتبع لأحداث الساعة, ولا أقول فقط لأحداث أيامنا هذه وذلك لسرعة دوران الأحداث في المنطقة, ولأنه ليس في مستطاع أحد أن يدري مسارها من حوله, عاجلا أم آجلا.‏

Dr- louka @ maktoob. com‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية