تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كل أربعاء.. سقوط المحرمات

كل أربعاء
الاربعاء 28/5/2008
سهيل إبراهيم

إذا كان لبنان كما يصفه الكثيرون, مختبراً حاضناً دوماً لأزمات المنطقة وصراعاتها وتوازناتها وحروبها الساخنة والباردة,-وهو كذلك-, فإن هذا المختبر الذي انفجرت فيه مطلع أيار الحالي خطوط التماس بين المشروع العربي المقاوم,

والمشروع الأمريكي-الصهيوني المتعطش للهيمنة, وافتعال الجراحات القسرية في جسد المنطقة, نقول هذا المختبر أفرز الأن واقعاً جديداً سمته البارزة الاسترخاء, وطابعه الأشمل جردة حساب لموازين القوى التي تشكلت وأماطت اللثام عن فاعليتها في الميدان, وموازين القوى التي أنهكت, وفقدت الكثير من رصيدها الاستراتيجي,في امتحان قد يكون نادراً, في تاريخ الأزمات الإقليمية والدولية, التي عشناها منذ أكثر من ستين عاماً.‏‏

ولعل التجربة اللبنانية, بتفاصيلها المرنة والمعقدة في آن معاً من موازينها الطائفية وصعوبة مقاربتها وطنياً وقومياً, إلى مبدأ الحريات العامة وإرهاصاته في التطبيق العملي, لعل هذه التجربة تتيح للعالم أن يتعرف على نتائج لم تأت في سياق مقدمتها ويتعرف على الفارق الكبير بين فضاء النظرية, وعناد الواقع وقدرته على الإطاحة بوصفات نظرية لم تلامس طاقة الناس,وحرارة الأرض تحت أقدامهم.‏‏

منذ الاستقلال اللبناني قبل نيف وستين عاماً, ونحن نقرأ في كتاب التناقض والوفاق اللبنانيين, وسجل التسويات والمبادرات والتناحر, وسط مجتمع تستطيع أن تكون فيه وطنياً مطهراً, وأن تكون قومياً عربياً, أو أممياً, وأن تكون أيضاً انعزالياً وتقسيمياً, موالياً ومعارضاً مقاوماً وليبرالياً, تستطيع أن تكون أي شيء حتى لو اقترفت الخيانة العظمى.‏‏

عام 1958 فار الشارع اللبناني على إيقاع صوت جمال عبد الناصر, فأشعل ثورة لم يخرج منها لبنان إلا بلقاء الخيمة بين عبد الناصر وفؤاد شهاب, الذي أرسى ثوابت العلاقة بين لبنان وسورية ( الإقليم الشمالي للجمهورية العربية المتحدة وقتذاك ), وفي أساسها أن يبقى لبنان لتنوعه وتعدديته, شرط ألا يكون متراساً للقصف على سورية, أو ملعباً لخيال الظل الأمريكي المتربص بدولة الوحدة.‏‏

وفي عام 1975 تورمت التناقضات , واستعرت نيران المصالح المتنابذة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحلفائها من الحركة الوطنية اللبنانية من جهة, واصطفاف مقابل فدخل لبنان في جحيم الحرب الأهلية, التي تواصلت قرابة خمسة عشر عاماً,احترق فيها لبنان و انهارت مؤسساته ,وطوى تحت التراب أكثر من مئتي ألف ضحية.‏‏

تلك السنوات العجاف شهدت اجتياحاً صهيونياً عام ,1982 وصل إلى بيروت التي صارت العاصمة العربية الثانية التي تسقط بيد الاحتلال بعد القدس, ولم يتحرر وجهها إلا بعد الخروج الفلسطيني الشهير إلى عرض البحر, بعد مقاومة لبنانية فلسطينية سورية لم تترك للاحتلال يوماً واحداً كي يهنأ فيه على التراب اللبناني.‏‏

اختتمت هذه السنوات العجاف في الطائف باتفاق ضمن السلم الأهلي, لكنه لم يعرف كيف يضمن خروج المحتل من الجنوب اللبناني, وضمن عودة المؤسسات, ولكنه لم يضمن رعاية بذرة المواطنة في النسيج اللبناني, بدلاً من بذور الطائفية البغيضة.‏‏

مقاومات وطنية وقومية وإسلامية أخذت على عاتقها أن تتفرد بالرد على احتلال الجنوب بأقدس ما تمتلكه الشعوب من طاقة على الحرية, وبأقدس الأسلحة في مخازنها المتواضعة, لكن الفارس الذي يعرف كيف يبدأ الشوط عليه أن يعرف كيف ينهيه, وفي هذا المضمار كان للمقاومة الإسلامية في لبنان قصب السبق, في وضوح الرؤية, وشجاعة الإقبال, وبراعة التنظيم, فقطعت شوطها الصعب نحو التحرير بكفاءة لم يشهدها تاريخ المقاومة في عصرنا الراهن, فبرزت قوة إقليمية ورقماً صعباً في حسابات المنطقة, يقود تجاهلها إلى الهلاك.‏‏

من يومها والمقاومة اللبنانية, مادة البحث الأولى في مكاتب الدراسات الاستراتيجية في الكيان الصهيوني ودوائر الاستخبارات الأمريكية, ومن يومها والاختبارات الصعبة تدق أبوابها, من القرار الأممي ,1559 إلى عدوان تموز, إلى قرار مصادرة منظومتها السلكية الذي فجر ليل بيروت في الثامن من أيار الحالي, وقاد إلى وفاق الدوحة وتفكيك عقد الحل والذهاب إلى الاسترخاء.‏‏

قلت قبل أسبوعين من اليوم, وفي هذا المساحة المكتوبة:‏‏

عودتنا المقاومة على القراءة الصائبة, والبراعة في تفكيك الشيفرات, وتضليل بوصلتها,والكفاءة في التحكم بالقلعة على رقعة الشطرنج عندما تحاصرها البيادق.‏‏

وهكذا فعلت...‏‏

ونحن اليوم في طور جديد, يسترخي فيه من يسترخي, ويجرد فيه الكل حساباته, ويقيس موازين القوة, في أفق لن يجيب عن السؤال دفعة واحدة.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية