|
عن الاندبندنت حيث نجد أن الحادثة قد انتهت بمقتل مرتكبيها، لكن مدى نجاح تلك الحركات في تحقيق مبتغاها يبقى مرهونا بالكيفية التي ستتعاطى بها القيادة السياسية الفرنسية مع الجريمة المرتكبة. لقد كان من الأمور المثيرة للاستهجان ما كتبته صحيفة اللوموند الفرنسية عندما وضعت عنوانا رئيسا على صفحتها الأولى تقول به «11 ايلول في فرنسا». لكن بتقديرنا نرى بأن ثمة تبايناً بين الحدثين إذ أن عدد ضحايا 11/9 قد بلغ 2977 ، اما ضحايا أحداث باريس في الأسبوع الفائت فقد بلغ 17. كما وأن الصدمة التي حلت بالولايات المتحدة نتيجة الصورة المروعة لمنظر الطائرات وهي تصطدم ببرجي مركز التجارة العالمي وانهيارهما تفوق بكثير الصدمة التي تلقتها فرنسا. لكن ما هو مهم في العملية الحالية هو العنف الوحشي الذي تمت به. فالجناة، سواء كانوا مرتبطين بالدولة الإسلامية (داعش) او بالقاعدة، قد اختاروا أهدافا تحقق لهم أقصى درجة من الدعاية التي كانوا يطمحون إليها، فشعارهم الذي اعلنوا عنه في مواقعهم الالكترونية الجهادية: «نصف الجهاد يمكن تحقيقه عبر وسائل الإعلام». إن القول بالتشابه بين 7/1 في فرنسا و11/9 في الولايات المتحدة يخلق نوعا من التشاؤم. فالنصر الأكثر أهمية الذي تحقق على اسامة بن لادن لم يحدث في اليوم الذي قام به 19 سعوديا بقيادة الطائرات، لكنه حصل بعد سنوات أعقبت الهجوم، وحدث خلال تلك السنوات حروب شنتها أميركا بقيادة بوش على كل من العراق وافغانستان، أسرت الكثير، وأصدرت الأحكام على السجناء، وعذبتهم، وأساءت معاملتهم، ووسعت صلاحيات الأجهزة الأمنية، وضيقت الحقوق المدنية على مواطنيها، ونزعت الشرعية عن نفسها، وتصرفت وكأنها تحقق ما تهدف إليه القاعدة، حتى أصبحت الإدارة الأميركية وكأنها تنفذ ما يبتغيه بن لادن. بطريقة أو أخرى نلاحظ أن الحرب على الإرهاب التي شنها بوش ولاقت الدعم والمؤازرة من بريطانيا لم تحقق النتائج المرجوة بل منيت بفشل ذريع، حيث أنه منذ عام 2001 كانت القاعدة تضم مئات من الناشطين في كل من أفغانستان والعراق. وبعد 14 سنة من الإنفاق الهائل على مكافحة الإرهاب من قبل الولايات المتحدة وحلفائها تمكنت القاعدة من بسط سيطرتها على مواقع هامة في الشرق الأوسط. كما وأنها أضحت في اليمن ذات قوة متنامية جراء الأعداد الهائلة التي تنضم إليها. وتبين أنه في اليوم الذي وقعت به أحداث شارلي إيبدو في باريس قام انتحاري بقتل 36 طالبا من طلاب كلية الشرطة في العاصمة اليمنية صنعاء. نتساءل إن كانت فرنسا سترتكب ذات الخطأ الذي ارتكبته الولايات المتحدة عندما قامت إدارة بوش والمحافظون الجدد ووكالات الامن باستغلال أحداث 11/9 بهدف تنفيذ أجنداتهم الخاصة بهم؟ ويدفعنا إلى هذا التساؤل ما ورد من تصريح للرئيس السابق نيكولاي ساركوزي الذي قال بوجود «حرب الحضارات» تلك العبارة التي ماثلت عبارة «الحرب على الإرهاب» التي قالها بوش في السابق. لكن في ظل الظروف الحالية فإن رفع تلك الشعارات بات نوعا من الدعاية التي فقدت تأثيرها لدى الجهاديين خاصة. وإزاء ذلك فإننا لا نستبعد ظهور خلايا جهادية أخرى من بين الـ 6 ملايين مسلم الذين يعيشون في فرنسا ويعتبرون أنفسهم مهمشين. إن فرنسا معرضة أكثر من غيرها من الدول للانقسامات بين شعبها وذلك نتيجة لموروث الكراهية الناجم عن حرب الاستقلال الجزائرية، حيث ظهرت بعض الخطابات الميلودرامية بعد المجزرة وترددت أقوال عن كون «فرنسا في حالة حرب» وتكرارا للعبارات التي وردت على لسان الرئيس بوش قبل عقد من الزمن. لكن الواقع يؤكد بأن فرنسا ليست في حالة حرب الأمر الذي يجعل من تلك المقولة تنافي الواقع، وتجعل تلك العبارة مجالا للإلقاء باللائمة على أجهزة الأمن الفرنسية. على الرغم من أن فرنسا ليست في حالة حرب لكنها تعاني من تبعات أربعة حروب مستعرة في الشرق الأوسط، ثلاثة منها في سورية وليبيا واليمن تلك الحروب التي بدأت منذ عام 2011 أما الرابعة فهي التي تحدث في العراق والتي أخذت بالتصاعد على نحو مضطرد منذ أمد بعيد، يضاف إلى ذلك الحروب المستمرة في كل من أفغانستان والصومال مما يعني أن ثمة ستة صراعات كبرى في المناطق الواقعة بين الهند والحدود التونسية حيث أصبحت هذه المنطقة أرضا خصبة للجماعات المتطرفة أمثال القاعدة. وما يجدر ذكره، أنه في أعقاب عمليات القتل التي تمت في باريس ظهرت الكثير من التكهنات حول ارتباط الجهاديين الأجانب بداعش أو بتنظيم القاعدة في اليمن. لكن القيام بمثل تلك الأعمال يتطلب الأسلحة والذخيرة والقدرة على استخدامها، وليس من الضرورة أن يكون هناك تدريب فعال على القتال. أما أسباب حدوث تلك الهجمات في أوروبا فهي سقوط العديد من الدول في العنف والفوضى مما يجعلها توفر البيئة المثالية لنمو الجهاديين الذين يعتبرهم مؤيدوهم والمتعاطفون معهم بأنهم «محاربون مقدسون» حيث نجد أن أحد الصحفيين الأفغان قد وصفهم «بالفاشيين المقدسين». وفي الوقت الحاضر، تواجه المخابرات الفرنسية نقدا شديدا نتيجة الفشل في التنبؤ بالخطر الذي شكله شريف وسعيد كواشي وأمادي كوليبالي، لكن هذا النقد وإلقاء اللائمة ليست في محلها ذلك فالمخابرات تمتلك معلومات كثيرة عن أشخاص ربما يكونوا خطرين لكونهم من أصول عرقية معينة أو يحملون معتقدات دينية معينة أو أن لديهم بعض التصرفات السابقة لكن انغلاقهم على أنفسهم قد جعل من الصعوبة بمكان الوقوف على ما يزمعون القيام به الأمر الذي يحول دون كشفهم إلا في الأحوال التي يقومون بها بعمليات اغتيالات أو جرائم. إن الفشل الذي عرّض العالم بأسره للخطر سياسي أكثر من كونه أمنياً، ويبدو أن ما قام به الغرب من إنهاء الحكم في عدد من الدول لم يقترن بالتفكير بما سيحدث بعد ذلك الأمر الذي أفسح المجال للقاعدة وداعش وأتباعهما بالظهور في المناطق التي اعتقد الغرب أنه حقق نجاحات فيها وها هي شرارات النزاعات القائمة في تلك المناطق تستعر لتصل إلى قلب أوروبا. بقلم: باتريك كوكبرن |
|