|
أسواق وقد أشير إليه في الصورة بأنه البائع بالآجل (أقساط), بينما يقف التاجر الآخر على الضفة الأخرى تماماً, إذ يبدو هاشاً باشاً, لأنه يبيع نقداً, ولا يقبل بأي طريقة بيع أخرى..!! ببساطة شديدة: أصبحت هذه الصورة عالمياً وكلياً من الماضي, ومن منسيات أصحاب المنشآت وفريق البيع والتسويق, نعم إنها كذلك قولاً واحداً طالما أن الأقساط فرضت نفسها في الأسواق كلها بدءاً من شراء جهاز كمبيوتر شخصي وانتهاء بالقروض والمساعدات فيما بين الحكومات مروراً بالتعاملات البينية للشركات والمؤسسات المختلفة. لقد دفعت ظروف المنافسة الشديدة بين المنتجين, وضعف القوة الشرائية لدى المستهلكين, والركود الذي يعاني منه العديد من الأسواق, وابتكار أساليب تسويقية جديدة تستهدف الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من الزبائن, دفعت جميعها باتجاه انتشار البيع بالأقساط. في سورية, وحيث الاتجاه إلى اقتصاد السوق الاجتماعي يتعزز يوماً بعد آخر, فإن هذا النوع من البيع آخذ بالرواج والتوسع, إلى جانب البيع النقدي (كاش) كمحاولة للتوسع في الحصة السوقية للشركات, وكسر حدة المنافسة التي تتفاوت شدتها ودرجاتها من سوق لأخرى, كيف? تقسم السلع حسب دورة حياتها عادة إلى ثلاثة أنواع هي: سلع طويلة الأجل أو معمرة, وهي السلع التي تعمر في استخدامها طويلاً, ويقاس عمرها بالسنوات,ومن هذه السلع المساكن والسيارات والبرادات والمفروشات وغيرها.. ثم السلع نصف المعمرة ويقاس عمرها بالأشهر أو بعدة سنوات, ومنها الملابس والأحذية والأدوات المنزلية, وأخيراً السلع غير المعمرة أو الاستهلاكية, ويقاس عمرها بالأيام وربما بالأشهر كالأطعمة والمشروبات والعطور.. من هنا, فإن فرصة باعة التقسيط ستكون أكبر في مجال السلع المعمرة, لا لأنها معمرة وحسب, بل لارتفاع أثمانها على الغالب, إذ إن هناك تناسباً عكسياً بين ثمن السلعة ورغبة الزبون لشرائها بالأقساط, بمعنى:كلما ارتفع ثمنها أصبح من المتعذر على الزبون أن يدفع نقداً, فشراء قميص ببضع مئات يختلف قطعاً عن شراء سيارة بمئات الآلاف. وتقدر أوساط معارض السيارات أن طريقة البيع بالأقساط تشكل أكثر من 80-90% من مبيعاتهم, ما يعني بداهة أن المعرض الذي لن يبيع إلا بالنقد لن يفلح في جذب أعداد من الزبائن تضمن له استمرار نشاطه, كما أن عليه أن ينتظر طويلاً حتى يأتيه الزبون (الرفيع), كما يقال, وربما اضطر لإعلان إفلاسه قبل أن يأتي هذا الزبون المنتظر..!! يدافع وسام, بائع في معرض لبيع البرادات والغسالات والأفران, عن طريقة البيع بالأقساط, ولكنه يشدد على أهمية أن يأخذ المعرض الضمانات الكافية من الزبون.ويضيف وسام: اعتدنا في معرضنا أن نطلب من الزبون قطعة ذهبية لقاء تقسيط البراد أو الغسالة مثلاً, وتبقى هذه القطعة لدينا حتى سداد الأقساط كاملة, وميزة هذه الطريقة - برأينا - أن الزبون يستطيع تأجيل الدفع ونحن لا نعارض ذلك أولاً لأننا ضامنون لحقنا عبر وجود هذه القطعة لدينا, وثانياً حرصاً منا على كسب رضا الزبون من خلال مساعدته على تجاوز أزمة أو ضائقة مالية يمر بها. وينتفض حسام الدين, بائع المفروشات, عندما نطرح عليه فكرة البيع بالأقساط معتبراً أنها طريقة عقيمة ولا تحمد نتائجها, إذ كانت وراء إفلاس أكثر من محل من محال السوق, لذا لا يجوز أن يجرب الإنسان شيئاً جربه غيره, ويتابع حسام الدين: الطريقة المجدية للبيع هي البيع النقدي.. والنقدي فقط, أما بيع الأقساط فهو شكل من أشكال الدين, و(كل شيء ولا الدين). ويرفض بسام, صاحب محل لبيع الأجهزة الإلكترونية, فكرة البيع بالأقساط رفضاً تاماً معتبراً أنها حرام ولا تجوز شرعاً, وعندما سألناه عن وجه التحريم علل ذلك بقوله: إن التاجر يأخذ أكثر من القيمة الحقيقية للسلعة التي باعها, فسعر جهاز التلفزيون مثلاً 10000ل.س نقداً, ولكنه عند بيعه على أقساط يصبح بقيمة 11000 ل.س, ما يعني أن هذه ال 1000 ل.س التي أخذها البائع ليست من حقه, وبالتالي فهو يأخذ حراماً بشكل أكيد. ويضحك أبو هشام, صاحب محل عقاري, لمجرد الحديث عن البيع النقدي كخيار وحيد قائلاً: البيع النقدي في مجال العقارات يكاد لا يذكر بسبب ارتفاع ثمن الشقق والعقارات وبالتالي إن لم نبع بأقساط, فلن نبيع إلا بطريقة الصدفة, ويستدرك أبو هشام: ربما تختلف طريقة البيع من قطاع لآخر, ولكن السمة الغالبة على قطاعنا هي البيع ضمن تسهيلات معينة, فإلى جانب الأقساط هناك طرق أخرى للبيع كبيع المبادلة, أي مبادلة العقارات كأن يحضر إلينا زبون ولديه محل, ويرغب باستبداله بشقة أو العكس, وأحياناً يكون لديه عقار بقيمة /400/ألف ليرة مثلاً, ويرغب بشراء شقة بمليون ليرة, فتقوم بأخذ العقار منه إلى جانب مبلغ 600 ألف ليرة لتكملة قيمة الشقة, إذاً لكل حالة خصوصية معينة, ولا توجد قاعدة ثابتة في البيع بشكل عام. يبقى أن المستقبل سيكون في صف البيع بالأقساط لا بسبب العوامل التي ساعدت على انتشاره كما ذكرنا فحسب, بل لوجود مؤسسات اقتصادية جديدة كلياً في السوق السورية تساهم في تحمل جزء كبير من المخاطر, التي قد تنشأ عن هذا النوع من البيوع, ولعل القارىء يدرك أن الحديث هنا يدور عن المصارف كجهات إقراض وتمويل وعن شركات التأمين كجهات ضامنة لدفع تعويضات عن الأضرار التي قد تلحق بهذا الطرف أو ذاك, ولكن ضمن شروط محددة. |
|