تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أسباب الانقلاب الرأسي في السياسة الأميركية

لوفيغارو
شؤون سياسية
الاربعاء 10/1/2007
ترجمة: دلال ابراهيم

حينما سيطرت القوات الأميركية في نيسان من عام 2003 على بغداد, كانت استراتيجية المحافظين الجدد

في البنتاغون محصورة ضمن هدفين, تؤطرهما الرغبة في إظهار الولايات المتحدة نفسها إلى العالم بأن لديها كامل الحق في خوض تلك الحرب دون الحصول على موافقة الأمم المتحدة, وكان في البداية المهم لديها أن تجد بأي ثمن كان قرائن مادية على أن للنظام العراقي برنامجاً سرياً لأسلحة دمار شامل, إضافة إلى أنها تهدف إلى إقامة مؤسسات ديمقراطية بأقصى سرعة في بلاد ما بين الرافدين , يسطع بريقها لدى أقل مقارنة تجري مع النظام السابق, ويكسبون بالتالي إلى جانبهم الرأي العام في العالم.‏

وحشد البنتاغون من أجل ذلك الإمكانيات الكبرى من الرجال والمال والعتاد للبحث عن آثار أسلحة ذرية ,كيميائية , بيولوجية.‏

ولكنهم وللأسف كان عليهم العودة إلى الحقيقة التي خلص إليها رئيس فريق المفتشين التابع للأمم المتحدة سكوت ريتر والذي وجه إليه المحافظون الجدد تقريعاً عنيفاً حينما أكد أن العراق لا يملك برنامجاً نووياً.‏

فيما يتعلق بهدفهم الاستراتيجي الأول , خاب سعي الولايات المتحدة منذ النصف الثاني لعام 2003 ليلتف فيما بعد المحافظون الجدد حول وزير الدفاع رامسفيلد , ونائب الرئيس ديك تشيني , لكي يضعوا كامل ثقلهم في هدفهم الثاني.‏

ولكن وفي حركة غريبة للهروب إلى الأمام, ألبسوا هذا الهدف طموحاً أكبر, إذ لم يعد الهدف هو أن ينعم العراق وحده بالديمقراطية بل يجب أن ينعم بها( الشرق الأوسط الكبير) ! وعلى امتداد عام 2004 لم تكن سوى تلك الكلمة على شفة الرئيس الأميركي بوش.وواضحة هي أسباب هذا الهروب إلى الأمام فكان المهم تبرير ذلك عبر تبني مشروع ضخم يوازي مشروع نيودل عام ,1932ومشروع مارشال لعام .1947إذ قياساً بفداحة تكاليف الحرب على العراق من الناحية البشرية والمادية ( حوالي مليار دولار أسبوعياً,والأهم من ذلك الكلفة السياسية , كون إدارة بوش انتهكت شرعية الأمم المتحدة, فيما كانت أميركا في عهد روزفلت قد تعمدت بها, باتت دمقرطة العراق ليست بالكافية, وتخلت إدارة بوش عن قضية أسلحة الدمار الشامل غير الموجودة , وانطلقت سفينة( الشرق الأوسط الكبير الديمقراطي) في وقت كانت فيه بلاد العم سام تخوض حملة إعادة انتخاب بوش, ودشنت رحلتها الطويلة, وتوقفت عند محطات مثيرة للاعجاب,ففي أفغانستان لم تستطع حركة طالبان إثارة أي اضطرابات خلال انتخابات تشرين الأول من عام .2004 وفي العراق لم تفلح تهديدات القاعدة من ردع السكان الذهاب إلى صناديق الاقتراع في كانون الثاني .2005وخرجت القوات السورية من لبنان.‏

وفيما بعد هبت العاصفة , وبدأت السفينة بالترنح والاصطدام بالرصيف الصخري , ما تسبب لها بأضرار فادحة ففي ايران أسفرت انتخابات حزيران 2005 عن فوز الرئيس الشاب أحمدي نجاد الذي قرر في الحال استئناف تخصيب اليورانيوم.وفي مصر فاز الاخوان المسلمون في انتخابات تشرين الثاني 2005 وجاءت الانتخابات الفلسطينية في كانون الأول 2006 بحركة حماس في أغلبية ساحقة وغاص العراق في فوضى وبركة من الدماء لم يسبق لها مثيل.‏

وكانت الضربة المؤلمة في شهر تموز حيث أدى الرد الاسرائيلي غير المتكافئ في ضرب لبنان إلى وضع المقاومة اللبنانية في موقع عالٍ يصعب على أي كان انزالها منه.‏

وفي معرض رده على تقرير بيكر حول العراق مؤخراً , لم يتطرق بوش ببنت شفة إلى ( الشرق الأوسط الكبير الديمقراطي) والسفينة المنهارة جنحت أمام شط رملي بعيد, ولن يستطيع أحد في أميركا أو في أي مكان آخر الذهاب لقطرها.‏

والتعبير الآخر الذي غاب عن الخطاب الرئاسي الأميركي هو ( تغيير النظام) أي( تغيير النظام بالقوة الخارجية) إنه تغير كوبرنيكي في السياسة الأميركية الشرق أوسطية. والتي يبدو أنها عادت إلى السياسة الواقعية البسماركية.فقد تم إلقاء أفكار المحافظين الجدد ورثة فلسفة الألماني ليوشتراوس في قاع النسيان. تلك الأفكار التي وضعت فكرة العدالة( والديمقراطية متلازمتها) فوق ضرورة الأمن بين الشعوب.‏

فهل يعني ذلك أن جورج بوش سيعود إلى سياسة أبيه, ويترك العراق بسرعة, ويفوز في لبنان لصالح تحالف لا ترضى عنه أميركا, وينسى ايران النووية? على مايبدو لايزال الرئيس الأميركي لديه مزاج للتعنت قليلاً في هذه السياسة.ولكنه بالتأكيد, أبدى تحرراً ملموساً من أفكار المحافظين الجدد.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية