تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


نحو مراجعة نقدية للوضع الفلسطيني

شؤون سياسية
الاربعاء 10/1/2007
عرض وتقديم: حسن حسن

يرسم لنا عبد الإله بلقزيز من خلال كتابه( أزمة المشروع الوطني الفلسطيني, من فتح إلى حماس) الصادر

عن مركز دراسات الوحدة العربية. عبر استقراء المستجدات الطارئة على الوضع الفلسطيني الداخلي في الفترة الأخيرة. صورة بالغة القتامة أكثر من ذي قبل.‏

هذه القتامة مردّها إلى أن المنحى التراجعي الذي دخلته القضية الفلسطينية منذ عقود مازال القانون الحاكم لتطورها حتى اليوم, وأن مفاعيله مست أطرافاً في الساحة الوطنية انتهى إليها خيار المقاومة بعد القطع معه في(أوسلو) فبدت اليوم وكأنها تنضم إلى محصلة الوضع الفلسطيني الداخلي,‏

والمؤسف أنه لايبدو في الأفق بصيص أمل في تحقيق حلّ عادل لقضية الشعب الفلسطيني الوطنية, ولايبدو معه أن الحركة الوطنية الفلسطينية قادرة بخياراتها الراهنة, على حمل جبهة الأعداء على التسليم بحقوق ذلك الشعب. وتطرح حالة الانسداد الراهنة حول المصير والمستقبل, وحول الحاجة إلى مراجعة خيارات العمل الوطني الفلسطيني التي استقر عليها منذ ثلاثة عقود وزادتها التطورات تراجعاً وتآكلاً.‏

ومن أهمها السؤال عن مستقبل حق تقرير المصير الوطني والسؤال عن جدوى خيار التسوية والمفاوضات.‏

يقول مؤلف الكتاب عبد الإله بلقزيز إن (إسرائيل) ترفض قيام دولة فلسطينية في الأراضي التي احتلتها في حرب .1967 وحتى إذا أجبرها الضغط الدولي على ذلك, فهي لن تسمح بقيامها إلا على جزء من تلك الأراضي بعد اقتطاع القدس ومناطق المستوطنات و إلحاقها بكيانها. وترفض الاقرار بحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم في مناطق 1948 مصرة على أن عودتهم تكون إلى مناطق الضفة والقطاع حصراً. وغني عن البيان أنها تجد في تواطؤ السياسة الأميركية, وضعف الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا,وتخاذل الأنظمة العربية وتخليها عن شعب فلسطين, ما يشجعها على الاستمرار في سياسة الإنكار للحقوق الوطنية الفلسطينية. غير أن المشكلة في أن الوضع الذاتي الفلسطيني ليس اليوم من القوة بحيث يجبرها على النزول أمام مطالب الحد الأدنى المتمثلة في مطالب البرنامج المحلي. وهذه حقيقة تشمل السلطة والمقاومة على حد سواء.‏

ولعل السؤال عن جدوى خيار التسوية يقع في صدارة الأسئلة التي يفرضها التفكير اليوم, في مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني في صيغته المرحلية( دولة مستقلة على أراضي 1967 وحق العودة) وشرعية السؤال متأتية من حقيقتين متضافرتين في نتائجهما الكارثية:‏

أولاهما: أن ذاك الخيار, وبالشروط التي وجد المفاوض الفلسطيني نفسه فيها, لم يقد منظمة التحرير والسلطة إلا إلى التنازل عن حقوق وأوراق قوة يمثل التنازل عنها انتحاراً سياسياً.‏

وثانيتهما:أن التسوية الجارية منذ (مؤتمر مدريد) 1991 محكومة بمنطلقات أو مقدمات أميركية غير عادلة ولا متناسبة مع أحكام القانون الدولي, وملجومة بسقوف سياسية (أميركية) مجحفة دون إنصاف الحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية.‏

في المسألة الأولى كان واضحاً أن الذهاب الفلسطيني إلى تسوية غيرعادلة قاد إلى ( اتفاق أوسلو) كان خطأ سياسياً فادحاً رتب على القضية الفلسطينية نتائج بالغة السوء. وهو خطأ لأسباب ثلاثة: لأنه حصل في سياق شروط الجزر الوطني والقومي بعد ( حرب الخليج الثانية) وتدمير العراق وتكريس الاختلال في التوازن الاستراتيجي الاقليمي لصالح( إسرائيل) ولأنه ذهاب ارتضى القبول بمبدأين - قامت عليهما مفاوضات مدريد وواشنطن- وهما: المفاوضات على مسارات منفصلة. وتأجيل القضايا الأساسية ( القدس والعودة والمستوطنات والدولة) إلى مفاوضات الوضع الدائم.‏

ثم لأنه ارتضى القبول بمبدأ الحكم الذاتي الانتقالي واخراجه سياسياً في مفاوضات ( أوسلو) والاتفاق السياسي الذي حمل اسمها في العام 1993 وعليه, فقد بات المفاوض الفلسطيني تحت رحمة الشروط والاملاءات الأميركية- الإسرائيلية المجحفة. وبات عليه أن يطوي صفحة المقاومة وأن يتحول إلى ذراع محلية ضاربة لتأديب المقاومة واخماد جذوتها بحسبانها( إرهاباً).‏

وفي المسألة الثانية كان واضحاً أن التسوية التي انطلقت في( مؤتمر مدريد) وتواصلت في واشنطن وصولاً إلى (أوسلو) انبنت على منطلقات مغشوشة واصطدمت بسقف سياسي أميركي إسرائيلي منخفض. وتميزت بسمات ثلاث: أولاً أن قاعدتها هي صيغة ( الأرض مقابل السلام) وهي مبهمة بحيث لايجري فيها تعريف صريح للحدين: أي أرض ستعود مقابل السلام, وهل هي كل الأرض التي احتلت في 1967 أم بعضها, وما حدود ذلك السلام: إنهاء حالة الحرب أم التطبيع وإقامة العلاقات الدبلوماسية..? وثانياً أنها( تسوية) لم تطرح على نفسها البحث في تنفيذ القرارات الدولية ومنها القراران 242 و338 وإنما اعتبرت هذه أساساً من أسس المفاوضات لاغير. وثالثاً أنها لم تحدد هدف التفاوض قبلاً, بل تركت الحل السياسي رهناً بمرجعية أخرى غير مرجعية القانون الدولي هي: طاولة المفاوضات وما ستسفر عنه على قاعدة المقولة السياسية المجافية للقانون: المفاوضات سيدة نفسها!‏

والنتيجة أن التسوية الأميركية هذه وضعت سقفاً نهائياً لمطالب الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية ورهنتهما بما( تستطيع) (إسرائيل) التنازل عنه! بل فرضت على المفاوض الفلسطيني أن يتجرع هذه القاعدة بوصفها مرجعية عملية التفاوض. والمؤسف أنه مع علم المفاوض الفلسطيني بأن الولايات المتحدة ليست راعيا نزيهاً ولا وسيطاً محايداً, ولم يُبدِ كبير اعتراض على مبدأ( الرعاية) الأميركية مكتفياً بمطالبة الراعي بالتزام حياد سياسي يعرف سلفاً أنه مستحيل!‏

والأدهى من كل ذلك كما يرى عبد الإله بلقزيز, أن ياسر عرفات الذي قاوم املاءات أميركا و(إسرائيل) في اللحظة الحاسمة, ورفض المساومة على القدس وحق العودة لم يعد في الصورة بعد أن غيبه الاغتيال الصهيوني ولهذه الأسباب جميعاً, ثمة ما يبعث على الشعور بأن استئنافاً جديداً لأوهام التسوية سوف يأخذ مداه في المرحلة القادمة, وسيمدد محنة الشعب الفلسطيني لفترة أخرى ليس يُعلمُ مداها. ويخلص المؤلف إلى القول: إذا كان من أوجب الواجبات على شعب فلسطين وحركته الوطنية أن يُطلق مراجعة نقدية جريئة لتجربة العمل الوطني في المرحلة الأخيرة, فإن على رأس الموضوعات التي تحتاج منه إلى مراجعة مسألة خيار التسوية الذي استقرت عليه قوى رئيسة من ذلك الشعب ومن تلك الحركة, وخاصة في ضوء ماانتهى إليه ذلك الخيار من اخفاقات .. ومن كوارث.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية