|
آراء من عام 2006 (20-21/12/2006) وكان هذا المؤتمر بإجماع الحاضرين والمراقبين نقلة كمية نوعية في تاريخ المؤتمر القومي الإسلامي, واستهل الدورة بخطاب افتتاحي بليغ رائع من فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي, وضع كل نقطة على حرفها بمنتهى الدقة وعميق الإدراك. من الناحية الكمية كان الحضور وافرا وتجاوز مئتي مندوب من مختلف الأقطار العربية مشرقا ومغربا, ومن الناحية النوعية كانت هناك شخصيات عربية بارزة لها تاريخ مشرف في مجال النضال العربي والإسلامي المعاصر, وأكثرها مارس مسؤوليات حكومية أو سياسية إلى جانب النضال المحلي والقومي, وكانوا جميعا يمثلون تلك الفئة التي كان لها دور مشرف في تاريخ الكفاح والإصلاح والعمل العام, وذلك على اختلاف المناصب الحزبية أو الحكومية التي مارسوها وقد امتاز معظمهم بقصر المدة التي قضوها في هذه المناصب, ومن المؤسف أن يكون لهذا المقياس الزمني السلبي تأثير معكوس, أي إنه- نتيجة للفساد المستشري في المؤسسة السياسية العربية- تصبح مقولة السموءل هي المقياس: (إن الكرام قليل) ويصبح طول مدة البقاء في المنصب مثار شبهة, وإن لم يكن بالضرورة شبهة مثبتة, لأن المؤسسة الموبوءة تلفظ خارجا من لا يساير أفعالها وفي أفضل الحالات تخيره بين الاستمرار على أساس الخضوع لقانونها أو التنحي وفسح المجال لمن هو مستعد للصمت والتغطية والملاينة وما أكثرهم عددا. وبالطبع حين يكون مناخ المؤسسة سليما يعود المقياس إلى وضعه الصحيح, وتصبح قيم الكفاءة والنزاهة هي الأسس في إطالة مدة الخدمة في المناصب, ونادرا ما يحدث ذلك, والغريب أن اللغة الانكليزية هي التي فضحت اللعبة منذ القديم, إذ أتى مصطلحها للإسهام في العمل السياسي ملطخا بالوحل: to muddle in politics وهو مصطلح يفضح ممارسة أصحابه على امتداد العصور الحديثة. ومادام الكلام قد استهل بنظرة على طبيعة المشاركين في المؤتمر القومي الإسلامي فإنه من المناسب أن نشير إلى ملاحظة سمعناها من أكثر من مندوب وهي غياب العنصر الشبابي عن المؤتمر, والحق أن هذا الغياب كان شبه تام, ذلك أن معظم الحاضرين يزدانون بلقب (سابق) ويحملون على عواتقهم خبرات طويلة مما لا يتيسر للشباب, ولكن من الطبيعي أن يكون للشباب دور بارز عند الحديث عن المستقبل والعزوف عن عادة إدمان المؤتمرات العربية على تكرار الثوابت دون أية محاولة لرسم خطط المستقبل التي لا يمكن أن تنفذ إلا بهمة الفئة الشابة التي هي ضمان استمرار هذه الخطط لبلوغ غاياتها المرسومة. ولوحظ أيضا أن المشاركة النسائية كانت ضعيفة جدا إلا أن معظم المشاركات كن أقرب إلى فئة الشباب, وكان عدد الحاضرات لا يتجاوز أصابع اليد عددا, وبالتالي كانت مشاركتهن محدودة, مع استثناءات محدودة, وهكذا فقد المؤتمر فئتين اجتماعيتين رئيسيتين هما فئة الشباب وفئة النساء, وهذه ظاهرة عامة في المؤتمرات العربية ولا سيما في المؤتمرات السياسية. أهمية فكرة المؤتمر القومي الإسلامي وإذا انتقلنا إلى أهمية الفكرة, ربما يصعب على الجيل العربي الشاب أن يتصور كم كانت الهوة الإيديولوجية والسياسية وحتى الشخصية والسلوكية عميقة بين التيارين القومي والإسلامي على امتداد القرن الماضي, إذ كان كل تيار يعتبر الآخر منافسه الأول داخليا والعقبة الأولى في طريق تحقيق أهدافه, وازدادت الهوة اتساعا مع ازدياد ميل التيار القومي إلى التوجهات التقدمية والاشتراكية في النصف الثاني من القرن العشرين من جهة, ومن جهة أخرى تصاعدت قوة التيار السلفي الإسلامي, وبروز نزعة تكفيرية حادة تضع هدفا لها إخضاع حياة المجتمع العربي والإسلامي حرفيا لطراز الحياة في المجتمع الإسلامي القديم على أن التجارب المرة والمصائب التي توالت على الأوطان العربية والإسلامية خلال القرن الماضي أسهمت في خلق جو من التفاهم المتبادل أدى إلى ميل الطرفين لردم الهوة التي تفصل أحدهما عن الآخر والسعي في الوقت نفسه لإدراك حقيقة الأهداف الأساسية المشتركة ومعها إدراك الضرورات الحتمية لإنقاذ الأوطان من المخاطر المهلكة التي تتابعت بسرعة مذهلة واستهدفت بوجه خاص تدمير جبهتي النضال القومي والإسلامي, ولم توفر أيا من الطرفين. وعلى امتداد السنوات القليلة الماضية في القرن الحادي والعشرين اشتد أوار الهجمة الغربية الامبريالية على الأقطار العربية والإسلامية التي وصمت بالإرهاب والتخلف وربما ولدت قناعة حاسمة مفادها ضرورة العمل المشترك لمواجهة هذه الحملة العدوانية الشاملة الشرسة التي لم توفر أي مستوى من مستويات الحياة العربية والإسلامية إلا حاولت تهديمه وإعادة صياغته على النحو الذي يؤمن للإمبريالية المعولمة مصالح الاستثمار الاقتصادي والاستغلال والهيمنة. وهكذا أتت القناعة المتبادلة من خلال ضرورات واقعية اتخذت شكلا نظريا بالتدريج ولا سيما بعد أن نجح الغرب الاستعماري في تدمير الاتحاد السوفييتي وتفكيكه وما تبع ذلك من تفتيت النظريات الاشتراكية, وانتقلت بعد ذلك القيادة العامة للغرب إلى الولايات المتحدة الأميركية الغارقة بالنفوذ الصهيوني الإسرائيلي الذي ساعد تلك القوة العارمة على تحديد عدو جديد يأتي خطره من عدم انصياعه لموجة الهيمنة على العالم وهو الكيان العربي والإسلامي المتطلع إلى ممارسة الحرية والتقدم والمتسلح بتراث تاريخي حافل لا يسمح له بأن يحني رأسه ويضيع هويته ودينه ولغته لقاء اندماجه في تيار العولمة الصاعق. وهكذا أعلنت الحرب الشاملة على هذا المجتمع (العصي) وساعدت بعض تصرفات وأفعال الحركات المتطرفة التي انبثقت من خلال معاناة هذا المجتمع التاريخية والراهنة على بروز مجاهرة قيادة الغرب بإعلان الحرب رسميا على هذا العدو الجديد للغرب, تحت شعار الحرب على الإرهاب war on Terrorism واتخذ هذا الإعلان صيغا تشريعية في الولايات المتحدة الأميركية وحليفتها بريطانيا ودول غربية أخرى, وقد أتاحت هذه الصيغ التشريعية فرصا كافية لوضع الأقطار العربية والإسلامية وكل ما هو ومن هو عربي إسلامي تحت وطأة حرب شاملة أتاحت لحكام أميركا وحلفائها استخدام صلاحيات حالة الحرب في حملاتها العسكرية وإجراءاتها العقابية على الدول والأفراد من سياسية واقتصادية ومالية ضد المنطقة العربية والعالم الإسلامي بحيث صارت هذه المنطقة مستهدفة بالمعنى الكامل وأصبح الهدف المعلن هو تفتيت هذه المنطقة وتدمير تراثها التربوي والثقافي ومعتقداتها الدينية والقومية والوطنية, كما وجهت عناية خاصة لغسل دماغ الأجيال الصاعدة وقطع صلاتها بتراثها وأصولها وقرآنها ولغتها العربية بوجه خاص. وإزاء ذلك كله ساد إحساس التيارين العربي والإسلامي بأن المسألة أخطر بكثير من مسألة التحرر الوطني بالمعنى السياسي أو مسألة العودة إلى الأصول ومعالجة الحاضر من خلال الاستنساخ الحرفي لتجارب الماضي العريق, وبالتدريج تحول هذا الإحساس إلى قناعة بضرورة العمل النضالي المشترك وتجاوز الحواجز المعهودة. وفي ذلك يقول الدكتور خير الدين حسيب في كلمته في الجلسة الافتتاحية للدورة السادسة للمؤتمر القومي الإسلامي. وقد عزز هذا الإدراك أيضا مبادرات حثيثة قامت بها قوى ورموز قومية وإسلامية مستنيرة رفضت الصدام المفتعل بين العروبة والإسلام مشددة على أن الإسلام هو مكون رئىسي للمحتوى الحضاري والروحي للحركة القومية العربية, بما يجعل للإسلام موقعا مميزا لدى كل عربي حتى لو كان غير مسلم, باعتباره يرى في الإسلام حضارة له وثقافة وتاريخا يعتز بهما, ومشددة كذلك على أن لغة القرآن الكريم وهوية الرسول العربي وأغلبية رواد الدعوة الأوائل تجعل للعروبة كما للعربية مكانة خاصة لدى كل مسلم حتى لو كان غير عربي ولا سيما أن معارك العرب ضد الغزاة هي معارك المسلمين كلهم وأنهم بدفاعهم عن المقدسات إنما يدافعون عن مقدسات الأمة كلها, بالإضافة إلى مشاركة كل العرب وكل المسلمين في صياغة النسيج الحضاري للأمة. ويتمنى جميع المخلصين أن تكون هذه المواقف التي يشير إليها الدكتور خير الدين حسيب قد وصلت إلى مرحلة الإدراك, ولكن واقع المؤتمر نفسه بطريقة صياغة اللجان للتوصيات يؤكد أن مسألة التوافق ما زالت مسألة إحساس تدفعه الضرورة الآنية إلى السطح, ولكن القناعات الأساسية ظلت على حالها فكأنها فترة مداهنة وتحالف ناجمة عن الشعور بالخطر الداهم, ذلك أن التوصيات التي صدرت عن المؤتمر مفعمة بالتأكيد على الثوابت وبعيدة نسبيا عن التفكير المرحلي المنظم, وقد حرص كل طرف على تأكيد ثوابته في قضايا حساسة جدا مثل قضيتي العراق وفلسطين, كما سيتضح لنا في الفقرة التالية التي تتضمن تعليقا على التوصيات التي صدرت عن الدورة ومناخها العام. * كاتب عربي يتبع |
|