|
نواقيس العسكرية الميدانية او القيادات العليا لم تعهد لها الولايات المتحدة مثيلا حتى في حالة مجيء رئيس جديد للبلاد حتى بدا الامر وكأن الرئيس الامريكي يقود انقلابا سياسيا عسكريا ضد نفسه او ضد فريق العمل الذي واكب اخفاقاته في العراق خاصة, فقد جاءت التغييرات لتشمل طيفا واسعا من الطاقم المقرب من الرئيس بوش نفسه في خطوة يراها البعض وكأنها محاولة للانحناء امام الزوبعة التي خلفها فوز الديمقراطيين في انتخابات النصف لاعضاء الكونغرس ويرى فيها آخرون محاولة استباقية للالتفاف على تلك النتائج والتسلح بالاشخاص في مواقعهم الجديدة في مواجهة يعتقد انها ستكون حامية. ومن بين التغيرات التي اعلنها بوش استبدال قائد القوات الامريكية في العراق الحالي الجنرال بأربع نجوم جورج كيسي بجنرال آخر, وهنا تجدر الاشارة الى ان كيسي جاء الى العراق وسط هالة من التمجيد لماضيه ولعدد النجوم التي يحملها والتي تزيد بنجمة واحدة على سلفه. وكأن ذلك دليل على نجاح مستقبلي مؤكد ولكن كيسي يغادر مغضوبا عليه وليحل محله جنرال بنجمتين وكأن الامر يرتبط بنوايا جنرالات الجيش الامريكي او قدرات هذا الجيش وهذا بقدر ما فيه من تجاهل للحقائق على الارض اي ما يتصل بدور المقاومة في افشال المشروع الامريكي فإن فيه من اضاعة المزيد من فرص الخروج من المأزق الدائري في العراق وهذا يعكس روح المكابرة التي يتمسك بها بوش دون امتلاك مقومات. لقد اعدت لجنة بيكر - هاملتون تصورات قريبة الى حدما مما يتطلبه خروج امريكا من المستنقع العراقي مع قليل من ماء الوجه ولكن بوش لا يقدر على الاعتراف بالفشل لان في ذلك هزيمة للمشروع الامريكي العالمي من جهة ونهاية للحياة السياسية لبوش بفاجعة هي مزيج من حماقة من لا يأخذ العبر من تجارب الماضي القريب لامريكا نفسها او لتجارب الآخرين ومن وهم القوة التكنولوجية القادرة على حسم كل معارك التاريخ واغفال ما لادارة الشعوب من دور فاعل في رسم مسار الاحداث. ويواصل بوش سياسة تأكد فشلها ميدانيا فهو مصمم على ما يبدو على ارسال قوات اضافية للعراق يتراوح عددها بين عشرين الفا واربعين الفا في نطاق استراتيجيته الجديدة في العراق وهذا ان تم فمعناه انه وضع على الرف مقترحات لجنة بيكر - هاملتون مما يؤكد ان صقور اليمين الجديد لن يرفعوا الراية البيضاء امام الاغلبية الديمقراطية في الكونغرس الجديد. فهل تظاهر بوش بالاذعان للتوصيات التي رفعت اليه من قبل لجان هو الذي شكلها او من قبل اجهزة الدولة المختلفة وحينما وجد الفرصة مواتية للرجوع الى فريقه الخاص مضى اليه معتمدا على ما يقدمه من مقترحات تاركا الباب مفتوحا لمزيد من الانقسام في المجتمع الامريكي بل داخل المؤسسات الدستورية والنخب السياسية في الولايات المتحدة. غالب الظن ان بوش يحاول الافلات مما يعتبره سلطة موازية لسلطته بدأ الديمقراطيون يرسمون معالمها وابعاد تحركها على وفق ما يرسمه الدستور الامريكي وما تتطلبه المصالح العليا للولايات المتحدة وحينذاك يجب ان تراقب صلاحيات الرئيس وتحدد من قبل السلطة التشريعية التي لم يعد للحزب الجمهوري فيها اغلبيته السابقة بل ان بوش فقد الدعم الذي كان عنده من بعض الجمهوريين انفسهم نتيجة ما قادت اليه السياسة التي ظل بوش متمسكا بها رغم ما لاقته من اخفاقات وعرضت سمعة امريكا وهيبتها في العالم الى هزات كبيرة والحقت بقواتها من خسائر مادية وبشرية فاقت توقعات اكثر المراقبين تشاؤما واصابت الاقتصاد بأسوأ ركود يمر به منذ زمن بعيد. فهل ستقدم الاغلبية الديمقراطية على التصادم مع توجيهات بوش في استراتيجيته الجديدة القديمة وحينها ستبدو وكأنها تفرض وصاية على (عرش) امريكا المهدد بالزوال? أم أنها سترضخ لاعتبارات تتصل بالمصالح الامريكية العليا حتى اذا ادى ذلك الى المزيد من الخسائر البشرية والمادية والتي لا بد ان تلقى على كتف احد ولن يكون هناك اكثر من بوش من هو أهل لذلك. |
|