|
ثقافة يمثل الكتاب في تفكير المؤلف امتدادا لخطين متقاربين،
متكاملين: الخط الأول فلسفي, يتضمن سلسلة نحو فكر متوسطي, وفيه يحاول المؤلف أن يرقى تاريخ الفلسفة, باتجاه الينابيع الأولى, مفتشا عما نستطيع إفادته من الفلسفات الحديثة التي تكمل, في كثير من الموضوعات. والخط الثاني التزامي, يتضمن محاضرات عدة إلى جانب «حضارتنا على المفترق» حيث تنعكس ردة الفكر الفلسفي حيال الحوادث السياسية والحضارية التي تنتاب منطقة الشرق الأدنى, كحوادث سنة 1958, في لبنان وتيار العروبة بالنسبة إلى جميع الأقطار العربية, من هنا كان عنوانه الصريح «فلسفة لزماننا الحاضر» فالفلسفة لا تعني المطلق المطلق، بل تهتم بالمطلق النسبي ذلك الذي ينعكس في وجدان الناس، فالمؤلف يعمل على إنشاء فكر فلسفي ينسجم وحاجات زماننا. ويأتي هذا الكتاب من الناحية الفلسفية توضيحا وتكملة لما جاء في الكتب الأربعة التي صدرت حتى الآن في سلسلة «نحو فكر متوسطي» ومن الناحية الالتزامية يقدم توجيها جديدا لقضايا الثقافة والسياسة التي تتأزم في حركة العروبة. تحاول المحاضرة الأولى من هذا الكتاب أن تعرض علينا ما يمكن أن تسديه إلينا الفلسفات الوجودية, من طريقة التحليل المظهري, ومن قيم وجودية, ففعل الوجودية, هنا أشبه بفعل تلك المعالجة بالصدمة الكهربائية, الرائجة في الطب الحديث, تحيي النواحي الموات من وجداننا وتعيدنا إلى كياننا الصحيح، أما الذين لم يؤتوا الشجاعة للمضي في هذا العلاج حتى النهاية, فقد ارتموا في الماركسية, اعتقادا منهم أنها الدواء الأكيد, وأنهم سيجدون فيها حقيقة على قدر حاجاتهم. أما في المحاضرة الثانية من هذا الكتاب أشار المؤلف إلى أي حد نحن متفقون مع الماركسية في مطالبتها بإنقاذ الإنسان, كل إنسان, ولكن إلى أي حد أيضا تقتلعنا هذه الماركسية من تاريخنا لكي ترمينا بين براثن اللامعقول وتحت رحمة القوى الاستعمارية التي تجوس العالم سعيا وراء فريسة. أما إذ كانت الماركسية تعيد إلينا معنى الأرض وجدلية العمل, فكيف لا نحفظ لها الجميل شاكرين. وفي المحاضرة الثالثة تناول الكاتب موضوع «الشخصانية» الشخصانية فلسفة روحانية متجسدة, والروحانية كلمة تكاد لا تطلق حتى تتبادر إلى الكثيرين صورة روح لا جسد له, تتراءى من خيالات العصر الوسيط, عصر وسيط قائم على رواسب إفلاطون متفسخ, الأمر الذي يقودهم على التو إلى المثالية, ولكن أي مثالية؟ مثالية رومنطيقية خلقية نوع من الحلم الواهم لا تأثير له في الواقع. تجمع الشخصانية بين ما تتضمنه اليقظة الوجودية من حقيقة وما هو حقيقة في وعينا للعالم, كما قالت الماركسية, إذ تتناولهما من الجذور, لدى ظهورهما, كخطين أساسيين لكائن رئيسي هو الشخص البشري. |
|