|
شؤون ثقا فية
إلا ان دار النشر , التي كانت تملك مطبعة قديمة, كانت تخطط بالخفاء لتوزيع الديوان على من لايقرأ الشعر أو يكترث به , فقامت بالحصول على تعميم , رقيق اللهجة, من إحدى المنظمات الشعبية , يشجع على اقتناء الديوان بالحسنى ودون إكراه , لاسيما وان مقدمي الديوان هما : الاستاذ عبدالله يوركي حلاق صاحب مجلة ( الضاد ) العريقة , وزميله الاستاذ الجامعي محمود فاخوري , إلا ان موزعي وموزعات دار النشر , أرغموا أصحاب المحال التجارية : ( تجار الخضر , وتجار الزيت, والزعتر, والصابون ) على شراء الديوان بالتخجيل تارة , أو بتقطيب الوجه طوراً , وحين انتبهت الشاعرة لما جرى , وبعد أن كثرت الهمسات حولها في المنتديات الثقافيةوالاوساط التجارية , كانت نسخ الديوان الألف قد نفدت بالتمام من مستودع دار النشر . وهنا طالب صاحب الدار بإلحاح ان تسمح له بإصدار طبعة ثانيةمن الديوان , نتيجةالاستقبال الطيب الذي حظي به ,لكنها اعتذرت وأسمعته عبارات لم تسرخاطره , وكتب التعميم بل مزقته وامتنعت حتى هذا اليوم عن إصدار طبعة ثانية. والحق يقال فإن الشاعرة لم تستفدمن المبيعات إلا بالنزر اليسير, حيث جنت حصادالهشيم وسمعة أدبيةلاتحسدعليها ... وبعد هذه الصدمة المؤلمة , استبدلت دار النشر الاولى , بدار ذات سمعة حسنة , ساعدتها في توزيع دواوينها الشعريةالتي حملت عناوين رومانسيةوهي : أوجاع الاسئلة 1993 رسالة محبة الى الوطن1994 عندما تغني الروح1998 نخب الرماد 2005 لقد أجادت الشاعرة آديل برشيني , التعامل مع الخيال المجنح , والحلم والطبيعة الفاتنة التي تقدسها في الغابات , والازهار , والجداول , والطيور المغردة , والمشاعر الوجدانية العليا , وهواجس النفس الدفينةالتي تشبه الاغوار السحيقة , لتذوب وتتماهى في نسيج لغتها وتصير ضميرها الشجي : هل نسيت الحب يا طير الهوى هل هجرت الروض والزهر الجميل أترى تذكر أيام اللقا وابتسام الثغر والطرف الكحيل أو كقولها : لاتعاتب أنا لا أهوى العتاب أنت نوري وضيا الناس ضباب وهي في الكثير من قصائدها , تطلق مشاعرها الجياشة بعفويةوببراءة موجعة , وتصور ما يجول في ذهنها , وما يشهق به صدرها , وما تتمتم به شفتاها من همسات , كل ذلك في أسلوب سهل, بلا زيف ولابهرجة , بل في نداءات وأغنيات سريعة, يصوغها الفرح الضائع في زحام الوجود البشري : زهرة القلب أفيقي إن حلمي في انتظار وامنحي طيف الاماني لسويعات النهار زهرة العمر أحنٌّ لشفاه الجلنار أغزل الوجد عطوراً من نسيمات نضار وفي مديرية الثقافة في حلب , التقيت بالشاعرة آديل برشيني ,بعد أن أنهت أمسيتها الشعرية فكان هذا الحوار : تناهى إلي أنك تحتفظين بأكثر من أربعين رسالة شخصيةمن الدكتور عبد السلام العجيلي , وأن كنت تنوين نشرها في كتاب مستقل . .. صحيح. فالدكتور العجيلي , رحمه الله , كان أستاذي وموجهي الأدبي, وستأخذ هذه الرسائل التي أرسلها إلي بين عامي/1990 و 1995 /, طريقها للنشر بخاصة وأنها تضمنت آراء نقدية وذوقية للأديب الكبير , كما تلقي هذه الرسائل والبطاقات البريدية الضوءعلى جوانب شخصيةوأدبيةقد تكون معروفة على نطاق ضيق, أو مجهولة بالنسبة للكثيرين . وما زلت احتفظ في مكتبتي بديوانه الشعري الاول والاخير , الذي يحمل هذا الإهداء الرقيق :( إلى شاعرة اليوم , من شاعر الأمس ). إذاً أنت تقلدين الأديبة المرموقة غادة السمان , عندما نشرت رسائل الشهيد غسان كنفاني ?! أنا لا أبحث عن الشهرة ولا عن الإثارة , ولست مقلدة للأديبة الكبيرة , لكنني أبحث عن طريق لوصول الكلمة الواعية إلى وجدان القراء وقلوبهم , ومن ثم تداولها لتأخذ طريقها إلى الخلود .. وبصدق فإن مشاعري تجاه الدكتور العجيلي, لاتتعدى مشاعر التلميذ وانبهاره حين يكون قريباً من أستاذه الذي يعتبره المثل الأعلى له . وبصراحة فإنما أشرت إليه تهمة جميلة لا أنكرها وشرفاً ادعيه.وأعتقد ان هذه الرسائل لم تعد ملكي بل أصبحت ملكاً للتوثيق الادبي, وفي نشرها الخير للحياة الثقافية وفي نشرها تكريم لذكرى الأديب الراحل لماذا أنت مقلة في نشرأعمالك ? لأنني لست ناظمة للشعر الذي لاروح فيه ولاحياة , ولاأحاسيس , ولا أكتب حينما أشعر أنني قادرة على تطوير قاموسي الشعري على مستوى الشكل والرؤية , وأنا لاأسجل سوى معاناتي .. وعواطفي الخاصة .. وتأملاتي الذاتية .. وهذا أساس شاعريتي . متى تبكين ? عندما أفتقد القدرة على التعبير . عندما يسقط القلم من يدي . وأعجز عن ترجمة أفكاري وأحاسيسي إلى قصيدة . هل تخافين من الموت ? .. الموت يسكن بأعماقي منذ وفاة والدتي , ووفاة أستاذي عبدالله يوركي حلاق , وأستاذي الدكتور العجيلي , أنا ضد الموت المجاني .. أنا مع الموت الجميل المرتبط بقضية نبيلة . |
|