تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كيان الحياة

ملحق ثقافي
25/4/2006
نـــدرة اليازجــي

يتراءى لي أنني أحيا في الزمان، أي المطلق؛وعندما أفكر، أي عندما أرسل إشعاعات فكري إلى كل الاتجاهات كلهيب الشمعة الذي يتجه إلى كل مكان،أي لا- مكان. وإلى كل بُعد، أي لا بعد- أعتبر نفسي موجوداً في كل مكان،

أي لا- مكان وأعتبر الوجود حاضراً في كياني وماثلاً في جوهري. ولما كان الزمان هو الوجود والحياة في كل مكان، أي لامكان، في الفراغ أو في المجال، ويمثل الديمومة التي هي اتصالية الحدوثات، ويتمثل في كياني خير تمثيل، وكان إدراكي،‏

أي تفكيري، الذي يعني الذات المدركة، يعبّر عن تفاعل الزمان المطلق مع المكان في جوهري، فإنه يوجد في كل مكان ، أي لا- مكان. وهكذا،أعتبر نفسي موجوداً في المطلق لأنني أمثل المطلق في المكان ، أي في المكان المطلق. أصبحت أعلم أن وجودي المادي الممتد الذي يعبّر عن مكان مطلق، هو مكان أمين للزمان المطلق، أي الروح. فلا يمكن أن يوجد الزمان الكلي المطلق إلا في مكان مطلق متصل، غير منفصل. فقد وجد الزمان الكلي الذي يتخلل الكون كله في الجسد الذي يمثل الوجود المادي الكلي المتحد في المكان. والإنسان، في وجوده المطلق هذا، يدرس نفسه، إذ تتفاعل الروح- الزمان مع المادة- المكان. وعندما يستغرق في خفايا نفسه يستغرق في خفايا الوجود. ولما كان الجسد، في كليته المكانية، لا يدرك بالأجزاء والأمكنة، فإنه يدرك بالشعور اللامنقسم أو بالحدس، أو بالتأمل، أو الاستغراق الإشراقي. فهو، إذن، لايدرك بالحس لأن الحس يتصل بالجزء الملازم له على نحو ظاهري، ولا يخضع للقياس ما دام الزمان كله متمثلاً فيه، والوجود المادي كله متمثلاً فيه. أما الوجود المادي الذي يقع خارجنا فإنه يمثل، بكل أجزائه المادة الواحدة. ولكننا لانستطيع أن نراه كلاً إلا بالحدس، فلا نشعر به كلا. ولما كان هذا الوجود المادي متمثلاً في كياني ككل، فإنني أعي نفسي ككل عبر الكل الزماني والكل المكاني اللذين هما حضور كلية الوجود في كياني. هكذا ، يكون الزمان فيّ، وهو مطلق، ويتمثل في مطلق آخر هو وحدة المادة في الوجود الإنساني. ويالتعاسة الإنسان الذي يجزىء كيانه. أنا كائن لا أُحد بالقياس. وهكذا، ينعدم الوقت، الذي هو تقطيع الزمان المقاس في كياني. وينبعث، في داخلي، الزمان المتصل على نحو جوهر مطلق. وغايتي هي أن يستغرق كياني هذا الزمان المتصل الكلي، فأتحد معه، وأصبح وإياه واحداً، وذلك لكي تنتهي الثنائية والتعددية والتجزئة. ولما كان الزمان يتفاعل مع المكان في كياني، وينتج عنهما الأنا المدركة، فإن هذه الأنا تسعى إلى وعي كيانها المتمثل بزمان مطلق كائن في مكان مطلق. وتتحقق الأنا المدركة من اتصالية الزمان والمكان في الشعور. فأنا لا أتمثل الزمان المطلق إلا بالشعور، أو بالعقل الفوقي المتجاوز لعالم الأشكال والمتسامي إلى عالم الصور والممثل. أنا، إذن، كائن أحيا في المطلق، كما يقول برغسون وتتمثل غايتي، أي حياتي، في تحقيق المطلق في كياني. هكذا، أدركت وجودي:كائن غير محدد ما دام المطلق ماثلاً في وجودي. ومع ذلك، أدركت أن مبدأ المقاومة السلبية قوية في الذات، الأمر الذي يحتمل أن يؤدي إلى إخضاع الزمان المطلق لقياسها.. لذلك، تصبح أفكار الإنسان نسبية لاتعبّر عن جوهر. ويعود هذا الخضوع إلى تركيز المكان حول محور ذاته الذي يدعوه الأنا. وإذ يظل المكان قائماً في الأجزاء، تبهت الحقيقة وتسود النسبية. أنا لا أريد أن أحيا إلا حياتي. وحياتي هذه هي الحياة المطلقة المتمثلة في كياني. وإني أعتبر الحياة المطلقة روح الحقيقة السامية المنبثة في الجسد الكوني الكلي أي في المكان الكلي، أي اللا- مكان، والوعي الكوني المنطوي في الإنسان. وأعتبر الذات المادة الجامعة لعناصر الوجود المادي. وأعتبر الأنا المدركة حصيلة كمون المطلق الروحي في المطلق الجسدي. وهذا يعني أن المطلق الروحي يهب كينونته إلى المطلق المادي لينبثق العقل. وفي هذا المنظور، أعتبر نفسي كائناً متصلاً بالحياة الكونية اللامجزأة واللامنقسمة الماثلة في كياني على نحو زمان كلي، وأمثل الوجود المادي لأنه حاضر في كياني علي نحو مكان.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية