|
الافتتاحية وما انطفأ من بريقها نتيجة الخلافات العاصفة التي أدخلت أوروبا في دهاليز المواجهة مع أميركا، حيث بدت الصراعات الكامنة مجردة من أي معنى، ما دامت تدغدغ الأطماع الاستعمارية الفرنسية، وتوصل الرسالة الفرنسية: أن الخلاف وحتى الحرب التجارية لا يفسدان ود الأطماع القائمة، ولا يعكران شهية العدوان. فالأميركي الذي يستحضر تعويذة الكيماوي من غياهب أقبيته السرية، ويدفع بها إلى المشهد السياسي المتورِّم، يتغوَّل في هيمنته التي اشتكى منها الفرنسي مراراً وتكراراً، ليعود ويتفهم هواجس الممارسة الأميركية المتعرِّجة والقابلة للتأويل في نسق من التوجسات المتلاحقة، حيث العبث السياسي، الذي يصلح عنواناً رئيسياً لكل تلك الممارسات الأميركية، يعجز أحياناً عن تقديم تفسير واحد لعودة اللعب الأميركي ببقايا الفوضى والخراب والانزلاق في اصطفافات أكثر تهوراً، إلا في سياق العجز السياسي، الذي يلامس مختلف جبهات العمل لدى الإدارة الأميركية داخلياً وخارجياً. الأخطر في معايير إدارة ترامب، أن ذلك العبث بما فيه «تعويذة» الكيماوي تصلح دائماً لكل توقيت، وكلما استدعت الحاجة للتذكير بأذرعها العسكرية المتأهبة لممارسة العربدة والعدوان، وإن كانت المؤشر الأكثر وضوحاً بوصول الإدارة الأميركية إلى الحائط المسدود في خياراتها الأساسية والبديلة، واستفحال المأزق بشكل لا يمكن معالجته من دون جراحات توظيفية، فكان البحث عن جبهات صدام تصدِّر من خلالها أزماتها، أو تحاول اللعب على عامل الوقت، ريثما تتغير المعادلات، سواء في الداخل أم الخارج، في رسالة قد تكون لخصومها في الداخل، أنها تستطيع حين تريد أن تعيد جمع الفرنسي والبريطاني، ويلحق بهما الالماني. بهذا المشهد المتداخل والمركب تحاول الإدارة الأميركية أن تعيد النفخ في قربة الكيماوي، على الرغم من ثقوبها الفاضحة، التي باتت ذريعة من لا يجد ذريعةً، وكذبة من لم يعد بمقدوره اختلاق كذبة جديدة، وخصوصاً أن المعطيات والظروف والمناخ تعاكس الاتجاه الأميركي، ولا يمكن لأي منطق أن يأخذ بها لاعتبارات تتعلق بالدور الاستخباراتي المشبوه الذي ينتج ويفبرك المشاهد على الطريقة الهوليودية مصحوباً بكمٍّ لا ينتهي من الأكاذيب المصنّعة بريطانياً وأميركياً، بدليل أن الخوذ البيضاء الإرهابية التي كانت المعتمد الوحيد في قصص فبركة الكيماوي تعود من جديد رغم انكشاف فبركاتها، وعلاقة الثالوث الغربي العدواني ونظيره الإقليمي المتمثل في إسرائيل وتركيا والأردن. ما تحاول الإدارة الأميركية أن تنتجه على يد بولتون يبدو مشابهاً في فجاجته لسياق المنتج ذاته، بدءاً من رأس الهرم المتمثل بترامب، وليس انتهاءً بفريقه الذي يحاول أن يكيِّس الأمور من حوله، وأن يجد له مبرراً يؤخّر مواجهة أزمته الداخلية، على حين يبدي رعاة التنظيمات الإرهابية هواجسهم ومخاوفهم من أن يكون التفكير الأميركي إعادة تدوير النفايات المتبقية من الأدوات التي انتهت صلاحيتها، بعد أن أدار ظهره غير مرة، لتبقى وقوداً في حروبه، وأداةً لأطماعه، لن يتردد في رميها عند أول سلة مهملات، وهو ما ينسحب على الأصيل منها والوكيل، وعلى الذي يتوهَّم أنه حليف، كما هو الحال يقرُّ بأنه مجرد تابع وضيع. |
|