|
شؤون سياسية ويصك المقولات لتصبح شعارات ينبهر بها الشباب فيسارعون إلى الإيمان بجدواها في إصلاح العالم.. وبالطبع هناك من يُعّد له هذه الخطب، إلا أن الرئيس «أوباما» وبفضل ثقافته الواسعة يُضفي عليها قناعة خاصة، فيأخذ في الاعتبار الحقائق الجيدة والسيئة على أرض الواقع، ويعرض رؤيته حولها. لقد استطاع رؤساء أميركيون إقرار مبادئ سُميت باسمهم، ولهذا يمكن للرئيس «أوباما» بعد الخطوات الناجحة في إقناع العالم بجديته في السعي للحد من الخطر النووي في العالم واتخاذ خطوات أميركية عملية نحو تحقيق الأمان النووي أن تُقر له مبادئ تسمى «مبادئ أوباما» إذا استطاع أن يقنع الفاعلين الدوليين في أن العالم قابل للتعديل وأن السعي نحو الأفضل أمر ممكن ولاسيما إذا طبّق هذا الأمر على «إسرائيل» التي مازالت حتى الآن خارج أي حديث يتعلق بالسلاح النووي رغم ترسانتها النووية المعروفة، ورغم أنها تتسلح تقليدياً بشكل متفوق فيه على الدول العربية مجتمعة، أو حتى أسنانها، إن صح التعبير، بدلاً من أن يركز جهوده باتجاه إيران وحدها التي تريد امتلاك الطاقة النووية لأغراض سلمية وليس لأغراض عسكرية كما تدعي إسرائيل وحلفاؤها. لقد اشتهر في التاريخ مبدأ «مونرو» الذي أقّر أن أميركا لن تسمح بأي استعمار جديد لأي بقعة في الأميركيتين، ولن تقبل أي تدخل في شؤون الدولة الأميركية من قبل أي دولة أوروبية، وكان يتم الرجوع إلى هذا المبدأ من نزاعات بين أي من الدول في الجانبين. ثم جاء مبدأ الرئيس «تيودور روزفلت» فيما بعد الذي بَرّر تدخل الولايات المتحدة في حال تدخل أي من الدول الأوروبية في شؤون أي دولة أميركية ساءت حالتها، ثم نجح «فرانكلين روزفلت» الرئيس الأميركي في الثلاثينيات من القرن الماضي في إزالة الشكوك في النيات الاستعمارية لأميركا بإقراره مبدئه.. الجار الطيب! . الآن وبعد الفشل الذريع للاستراتيجية الاستعمارية العدوانية التي تبناها الرئيس الأميركي السابق «جورج بوش» الابن والتي حولت الولايات المتحدة لإمبراطورية شر حقيقية تستعمر الدول والشعوب أسوة بالاستعمار القديم كما حصل في أفغانستان والعراق، إضافة لتدخلاتها الأخرى في عدة دول عربية وأجنبية، الأمر الذي كلفها مليارات من الدولارات وعمّق الأزمة المالية، ففشل مشروع الشرق الأوسط الكبير ثم (الجديد)، وفشلت الذراع الأميركية العسكرية «إسرائيل» في عدوانها للقضاء على المقاومة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. وإذا كانت جهود الرئيس «أوباما» لوضع أسس لمجتمع عالمي جديد يقوم على القانون الدولي وحقوق الإنسان، والحد من الخطر النووي، والابتعاد عن الازدواجية في التعامل والحد من الانحياز الأميركي المفرط لإسرائيل في كل شيء والدفاع عنها بل عن أخطائها واعتداءاتها، فيمكن أنذاك أن يصبح لـ «أوباما» مبدأ أميركي جديد ولاسيما بعد بوادر نبذ فكر المحافظين الجدد العدواني والفاشل الذي قام على أساس الحروب الاستباقية وفرض الهيمنة على الدول والشعوب بالقوة العسكرية، ما وسّع جبهة العداء والكره للولايات المتحدة جراء هذه السياسة التي ابتعدت حتى عن مصالح الشعب الأميركي في سبيل تحقيق المصلحة الإسرائيلية. ولكن مبدأ «أوباما هذا» سيواجه اختباراً أساسياً قبل أن يترسخ كمبدأ يسمى باسمه، وهو مواجهة الازدواجية الأميركية -كما أشرنا قبل قليل- فيما يتعلق بالكيان الصهيوني التوسعي العدواني الذي يمثل أكبر تحدٍ لهذا المبدأ الأميركي البازغ، ذلك أن «إسرائيل» تنتهك القانون الدولي والإنساني، إلا أن هناك حماية وتجاهلاً لكل هذه الخروقات الدولية، بينما تفرض العقوبات على إيران دون مبرر، وهذا ما لايتناسب مع وعود التغيير التي أطلقها (أوباما) ومع مايتحدث عنه باستمرار حول ترسيخ القانون الدولي وحماية حقوق الإنسان والحد من الأخطار النووية، وفي الوقت نفسه فإن إسرائيل لم تعد تلك الذراع الإمبريالية التي يعتمد عليها في يد القوى الكبرى لحراسة مصلحة هذه القوى، بل هي تحتاج إلى حماية، كما أن أهميتها تراجعت مع تراجع النزعة الأميركية الإمبراطورية التي كان يجسدها المحافظون الجدد، كذلك أخذت الأصوات الأميركية تتصاعد ضجراً من الانحياز الأميركي الأعمى لإسرائيل رغم غطرستها وتطرفها وخروجها على كل الأعراف والقوانين الدولية. وهكذا، كما أن الآمال لاتزال تراود الأميركيين بإمكانية تغيير نهج السياسة الخارجية الأميركية ليكون أكثر اتزاناً واعتدالاً وخاصة في الشرق الأوسط، فإن العرب بدورهم يأملون من الرئيس (أوباما) التعامل بجدية وحيادية مع قضاياهم وحقوقهم العادلة. ولكن لابد من تأكيد أمر آخر بات معروفاً، وهو أن العرب أنفسهم إذا لم يتضامنوا تضامناً جاداً فلا أحد يعير الاهتمام المطلوب لقضاياهم ومصالحهم بل ستسير أمورهم من السيئ إلى الأسوأ، وبالتالي ستزداد العربدة الإسرائيلية المعهودة. |
|