|
ثقافة العماء العباقرة يخططون والبشر الأذكياء يضعون التصاميم، أما العاديون فهم البناة والمنفذون. أما الثقافة وعلى رأسها الأدب والفلسفة فمهمتها تعميق شعورنا بالحياة وإعطاؤها عمق معناها. الراعي يرعى قطعان الماشية فيوفر الحليب واللحم كأهم مادتين غذائيتين وكذلك يفعل البّناء المعماري ومعلم المدرسة والحداد والنجار، فالبشرية هي في الحقيقة عدد هائل من ورشات العمل والإنجاز والبناء، أما الأديان والأحزاب والمنظمات والقيادات السياسية فهي جهات تقوم بتنظيم المجتمع والتخطيط للمستقبل وبناء الدول والمحافظة على قوتها وسيادتها. إن نسبة العلماء والعباقرة والأدباء والفلاسفة لاتكاد تتجاوز الخمسة بالمئة من الجنس البشري، أما الخمس والتسعون الباقية فهي الأغلبية التي تبني وتنجز وتموت وهي تمثل عفوية الحياة وبراءتها فهي تعمل وترحل وتموت ولا أحد يذكرها، بل هي التي تتغنى بالعباقرة وتخلدهم. ومن هنا فالمحصلة العامة للعفويين تتعادل تماماً مع المحصلة النهائية للأقلية العبقرية، فلولا هذه لم توجد تلك وهذا منطق الحياة. جميعنا قرأ عن أخناتون المحنط منذ ستة آلاف سنة ولا أحد يعلم اسماً من أسماء الذين حنطوه. حينما توفي عبد الله سوريك الذي ظل ينظف حارتنا خمسين سنة مكلفاً من البلدية وقبل تمديد مجارير الصرف الصحي عرف أهل الحارة قيمة هذا الرجل وأفضاله عليهم فذهبوا إلى قبره ووضعوا باقات الزهور. وحينما مات راعي قريتنا وصرنا نشتري الحليب واللبن واللحم من المدينة فهمنا جميعاً قيمة هذا الرجل وأفضاله علينا وكم نحتاج من سعة الأفق والتواضع لندرك فضل الأرض علينا وفضل التين والزيتون وأنواع الفاكهة والخضار. |
|