تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


فرقــة بــاب للفنـــون المســــرحية ..وإثــــــــارة تســـــــــــــــــاؤلات وجـــوديــــــــــــــة

ثقافة
الأحد 20-6-2010م
لميس علي

عبثية.. عشوائية.. تفيض تفاوتاً اجتماعياً وألواناً من عزلة... ملامح الحياة التي أراد اقتطاع مشاهد منها الكاتب المسرحي الأميركي إدوارد ألبي في مسرحية (قصة حديقة الحيوان) المكتوبة في أواخر خمسينيات القرن العشرين معبرة عن مجتمع نيويورك الفوار تناقضاً.

عملية انزياح بسيطة.. يمارسها أعضاء فرقة باب للفنون المسرحية.. يطبقونها على هذا النص ليصبح بملامح دمشقية.‏

وفقط هي تلك المدة الزمنية ما يمثل فاصلاً بين نيويورك الأمس ودمشق اليوم...‏

يحرق أولئك الشباب الزمن... يقربونه.. يقومون بضغطه عبر دراماتورجيا بتوقيع وائل قدور وعبد الله الكفري اللذين يعيدان إكساء النص الأصلي في إكساء محلياً.‏

(شقلبة) حال النص لاتعدو كونها ظاهرية، ذلك أن مضامينه إنسانية بحتة محملة بوجع إنسان ينوء بأحمال وأمراض مجتمعات تعاني تحولات ملحوظة لها من السلبيات ما يطغى على كل ايجابي - فيما لو وجد من أصله -.‏

(قصة حديقة الحيوان) التي جاءت بإخراج رأفت الزاقوت، وشاركه التمثيل زهير العمر، قدمت بالتعاون ما بين دار الأسد للثقافة والفنون ومؤسسة سيدا والمعهد الدرامي السويدي في استوكهولم.. تروي عبر لقاء قصير ما بين شخصيتين (فادي، صلاح) أهم تفاصيل حياتيهما في مجتمع يشهد حالة استهلاكية فظيعة و (موات) لكل ما هو إنساني أصيل...‏

يلتقط العمل حيوات لشخصيات تبدو متناقضة بحدود ملامحها الظاهرية.‏

الشخصيتان ترسمان بأسلوبية تباين بينهما.. صلاح الذي يحيا حياة هادئة (ظاهرياً) بينما فادي يعيش على هامش الحياة.. في ضواحي المدينة... في ملحق عمارة... على أشلاء ما يسمى عائلة.‏

بناء الشخصيتين الظاهري يوازيه بناء نفسي.. يمكن ملاحظة ذاك الحضور الواثق لفادي.. هادئ.. يبتدئ الكلام وينهيه حسب رغبته.. حركته واثقة كذلك وإن كانت قليلة ومكثفة.‏

الرسم الخارجي كان مختلفاً مع صلاح الذي يبدي ردود أفعال متشككة مستغربة عبر علامات وجهه.. يقتضب الكلام.. لديه ما يوحي بعدم الثقة بالنفس تشي بها حركات كامل الجسد أو حتى طريقته في الحديث.‏

هي إذاً قصدية (الضدية) في بناء الشخصيتين.. أحدهما قوي ظاهرياً... مشتت داخلياً، والآخر غير واثق ظاهرياً، مستقر داخلياً.. احتكاكها هذه الأوضاع أدى إلى تنافر ولد بدوره صراعاً كانت نهايته موت أحدهما.‏

بالمجمل... الصراع الدرامي في العمل بني من البداية حتى لحظة تفجره، على سرد أحداث ماضية... فلا أحداث واقعة أمامنا..‏

وهناك حالة: زمن الفعل الدرامي الذي تطابق مع زمن سرد القص..‏

ساعد على ذلك وجود تكثيف على صعيد اللغة، إضافة إلى اختزال عنصر الحركة.. كما أن الفعل كان فعلاً محكياً مروياً، ما خلا ردود أفعال إحدى الشخصيتين على كلام الأخرى منهما.. ردود تنحصر بفعل (القول) كذلك.‏

لدى لحظة الذروة.. تنفلش أوراق اللعبة.. اللعبة المسرحية المنسجمة تماماً مع لعبة (فادي).. هو يسعى إلى استفزاز الآخر (صلاح) وصولاً إلى غايته.. إنهاء المهزلة التي يحيا.‏

عند شرارة الصدام.. لحظة المواجهة.. لحظة انقلاب الأدوار - إن صح القول - تتضح جوانب أخرى من الشخصيتين لم تتبد طوال زمن من الحوار بينهما.‏

والخلاصة... إن تلك الضدية بشكل أو بآخر ليست سوى تكاملية لجهة ملامح الضعف عند الاثنين ملامح من عزلة الإنسان وضياعه.. ملامح من تشتته تجاه اللحظة التي يعيش... عدم قدرته على تحديد المسعى... الغاية.. الهدف.. من مطلق حياة.‏

تناقضات تمتلئ أسئلة وجودية... حملها أداء كل من (الزاقوت والعمر) اللذين حققا تكاملية ثانية بينهما على صعيد اللعب الأدائي.‏

الإسهاب لدى (فادي) أدى إلى تنوع الأفكار المطروحة تنوعاً جعلها في بعض الأحيان تبدو مقتطعة أو مجتزأة... وكما لو أن الحوارية التي بين الاثنين سيقت لبث أقوال وعبر أكثر من تصوير حالة.. وهو ماجعل الشخصية تقع بإلقاء وعظي حيناً.. خفف بنوع من (تاتشات) كوميدية تخللت العرض.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية