|
دائرة الثقافة
واي شيء يقبل الناس على شرائه واقتنائه، ولكن هل هذا ينطبق على الاعمال الابداعية والفكرية التي تنشر ؟ لانأتي بجديد اذا ما قلنا: نعم وقع المبدعون في هذا المطب وانساق كثيرون منهم وراء موجة الشهرة تحصد المال وتغري من خلال الاقبال على اقتناء روايات واعمال الموجة كما كانت روايات وسلسلة عبير وغيرها، وحتى في الاعمال الدرامية ما إن ينجح عمل ما حتى تجد عشرات الاعمال الاخرى التي تقلده وتقع في مطبه، وليس هذا بل انها تلجأ الى موجة الاجزاء، وما ينسحب على الدراما هو ايضا في عالم الابداع على مختلف الوانه ومشاربه. ولانأتي بجديد اذا ما قلنا ان العشرات بل المئات من المبدعين وقعوا في شرك اعمال لاقيمة لها، لكنهم من اجل المال فعلوا ذلك. بكل الاحوال، ماذا عن الرائج ولاسيما في الرواية تناقش الدكتورة اماني فؤاد هذه الظاهرة في اخبار الادب المصرية ومما قالته في هذا الشأن: طرأ على الوسط الثقافي العربي إلحاح بعض الظواهر التي كانت موجودة بالفعل من قبل، لكن لم يكن لها مثل هذا الحجم من الاهتمام والحشد الإعلامي الذي يدفع بها الى صدارة المشهد ويسلط عليها الأضواء، ففيما يتعلق بالرواية، النوع الأدبي. وبالطبع ليس من المعقول في المعطيات الطبيعية أن كل رواية رائجة غير ذات قيمة فنية عالية، هناك روايات أصابت رواجا وطبع منها الكثير وكانت تحمل قيما جمالية وفكرية عالية، أي أن مفردة الرائجة هذه تتضمن تدرجا في المستويات الفنية، لكن الملاحظة التي تشد انتباه المتابع للمشهد الروائي المصري في الآونة الأخيرة أن الروايات التي يقال عنها إنها الأكثر مبيعا هي غالبا التي تختص بسمات محددة لا تتوافر فيها قيم فنية رفيعة، كما تستند على موضوعات مشوقة فقط تضمن لها الانتشار وسط فئة سنية معينة. تتبدى في الروايات الأكثر مبيعا قيم الاستهلاك فهي ملونة وصارخة الانفعالات، فيها تتوارى القضايا الوجودية التي ظلت تمثل أسئلة الإنسان الملحة والمتجددة بصيغ متغايرة في الزمن البشري، حيث الأدب الحقيقي هو التمثيل الجمالي للحياة بأسئلتها الأزلية، حالة الموازاة الرمزية للواقع. يبقى الاستهلاك السريع هو سمة الرواية الرائجة لسهولة قراءتها وبساطة الموضوعات التي تتناولها، ومن ثم المتعة اللحظية غير الغامضة، وسرعة الانتهاء منها، لغتها شبه تقريرية تعالج في معظم موضوعاتها اللعب على الغرائز لا القيم الوجودية والفلسفية، سريعة التناول، ومن ثم ينتهي المتلقي منها بلا جهد، كثوب يبلى بمجرد الارتداء، ويحتاج المستهلك أو القارئ لما بعدها من نصوص، وهو مايدير ماكينات طباعة دور النشر، ويروج لمبدعي أنصاف المواهب، والقراء الباحثين عن وجبات سريعة للتسلية ودغدغة المشاعر، على الغالب تشبه رواية الموجودات الهشة والمسطحة التي لا تصمد في الزمن، ولايستمر جمالها متدفقا عند كل قراءة متجددة في التاريخ. ربما ما اكسب الرواية الرائجة سمعتها التحقيرية أن أغلب ما يتصدر قوائمها روايات للاستهلاك السريع تلعب على قيمة التشويق لدى المتلقي، بل تبدو أحيانا كأنها تعيد تدوير ألعاب (البلاي ستيشين) وبرامجه في منحى أدبي، كما أنها تجاري الموضات والتقاليع عند هذه الفئات القرائية، كأن نسمع عن الكتاب التفاعلي الذي يُترك به فراغات ليستكملها المتلقي بنفسه، أو المدونات الخفيفة التي تتحول بعض نصوصها إلى روايات مطبوعة، أو ضرورة أن تكون الرواية باهظة الثمن، فاخرة الطباعة، وتعرض بالمولات وسط الكافيهات الشبابية لطبقة معينة وفئة عمرية فيها. ظاهرة الرواية الأكثر مبيعا أو الرواية الرائجة ليست حديثة الظهور عربيا بل هي ظاهرة قديمة، فروايات إحسان عبد القدوس في الخمسينيات والستينيات كانت تحظى بالنسب الأعلى قراءة لتحررها في مجتمع تخطو المرأة فيه لنيل حقوقها، هذا فضلا عن ما أحيط بموضوعاتها الاجتماعية الشائكة من صراعات دائمة مع الموروث الثقافي، جمعت روايات (إحسان) بين قيم مجتمعية ناهضة وقيم فنية رفيعة، في المقابل كانت هناك نصوص (خليل حنا تادرس) التي يُذكر أنها حققت مبيعات وصلت لخمسة عشر ألف نسخة، وروايات محمود عبد الرازق، كما كان هناك دائما أدب خفيف مثل نصوص د. نبيل فاروق، وأحمد خالد توفيق، وهو ما كان يمثل حلقة وصل بين مرحلة أولية من القراءة تنضج بعدها الذائقة وتتعمق الرؤية لتنتقل لمرحلة قرائية أخرى، لذا كانت هذه الروايات متوازية دائما مع النص العالي القيمة الجمالية والفكرية. غالبا ما تلعب موضوعات الرواية الرائجة في السنوات الأخيرة علي التابوهات الثلاثة الجنس والدين والسياسة ففي نصوص أحلام مستغانمي ونوال السعداوي وعلاء الأسواني أمثلة لتلك التنويعات بأشكال مختلفة، ويزداد هذا الانتشار مع فرص الترجمة للعديد من اللغات الأوربية؛ وحبذا لو وصلت الرواية للمنع أو المصادرة، هنا تصبح الدعاية السلبية لمصلحة انتشارها وكثرة عدد طبعاتها وذيوع تداولها فيما يشبه الخفاء. وتنهض روايات أخرى على عنصر التشويق: الحبكة البوليسية والمطاردات، أجواء الرعب والظواهر الغرائبية، رواية الغيبيات التي تتناول عالم السحر والمخدرات والدعارة، النصوص التي تعالج فوضى المجتمعات العشوائية بعلاقاتها وغرابتها وذيوع عوالم الجريمة، أوالعوز المذل لكل معنى إنساني نبيل. وربما علينا ان نضيف الى ما قالته اماني ان الظاهرة الجديدة والرائجة الان هي روايات المعارضات السياسية التي يكتبها اشباه الاميين، ممن كانوا ذات يوم في مواقع معينة وتم شراؤهم، وهم قبلوا بذلك مقابل المال، ولم يجدوا بداً من البقاء في عالم الاضواء، فكانت الرواية هي الباب الى ذلك، فما معنى ان تكتب سيدة ما رواية وهي لاتعرف فكل الحرف ومع ذلك تبيع الاف النسخ بيوم واحد ؟ لالشيء الا لانها تسيء الى وطنها واهلها وشعبها، وغيرها كثيرات، وكثيرون، وقس على ذلك في الاعمال الابداعية ان صحت التسمية، ولهذه الموجة وقفة جديدة. |
|