|
ثقافة
خذوا مثلاً هذه العبارة الخالدة لابن عطاء الله: «تسبق أنوار الحكماء أقوالهم، فحيث صار التنوير، وصل التعبير» ولعل السؤال كم قرأ صاحبها قبلها حتى توصل لكتابتها؟ الحسن البصري ترك لنا من إرثه: «الصدق أمانة، والكذب خيانة، الإنصاف راحة، والإلحاح وقاحة، التواني إضاعة، والصحة بضاعة». ضمن هذا السياق وجدت نفسي منذ أيام أمام أحد كتاب هام حمل في طياته خيرة ما تركه العديد من عباقرة الشعر والأدب في العالم وهو: «قصائد الخالدين» أوراق منسية لم تنشر للأديب الراحل صدقي اسماعيل، تحرير: عواطف الحفار اسماعيل. صادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب. قصائد شعرية من مختلف بقاع الأرض، فيها تجارب الحب والخوف والزمن والانتظار والموت والحياة والهشاشة الإنسانية، وحوارات شائقة فيها من المتعة المعرفية ما يكفي لغمر بحار الأرض كلها بالنور، ومقدمة كتاب نسجها الأستاذ حسام الخطيب، فيها تكثيف للجهد الكبير الذي بذله الراحل وأكملته الأستاذة عواطف الحفار إسماعيل التي عملت على تحرير هذه النصوص والقصائد وأظهرتها للنور. من الأسماء التي تضمنها الكتاب: الشاعر الروسي بوشكين، الشاعر الفرنسي لويس آراغون، الشاعر اليوناني نيكوس كازنتزاكي، الشاعر النرويجي هنريك إبسن،.. الشاعر الأمريكي ادغار الن بو.. الشاعر الغنائي اليوناني بندار، الشاعرة العربية مي زيادة.. الشاعر الفرنسي بنجامان بيريه.. وغيرهم كثير. مي زيادة كتبت: «يا شرقي الكبير الرهيب الرؤوف، إنك جاهل فقير، مفكك الأوصال، ورغم ذلك فأملي بك عظيم، كالحياة والحرية، أنت برج الفجر أيها الشرق، فقم واعمل، قم وراقب، من أي أنحائك يلوح شعل الضياء». ضمن هذا الكتاب هناك النرويجية سيغريد اوندست، الحائزة على جائزة نوبل عام 1928، التي وصفها أحد الكتاب بقوله:» تتكلم ست لغات، وتلقي مع أعمالها كثيراً من المحاضرات في التاريخ والأدب، وفوق ذلك موسيقية بارعة، تضرب على الأرغن، وأهم شيء لديها في الحياة هو أن تكتب وتؤلف، وقد يمضي عليها الليل بكامله لا يغمض لها جفن» ومن أجمل ما كتبته: أنا من الفايكنغ امرأة أو رجل، لايهمّ أنا النار المندلعة من لسان التنين أذيب الثلج أمامي لي الحق في اختيار معتقداتي لن يملي عليّ أحد شيئاً.. من أجوبة الشاعر الفرنسي فرناند غريغ الذي يعتبر من أكبر الشعراء العاطفيين في أوربا، في إحدى حواراته يقول: «من الصعب علينا أن نعترف نحن الشيوخ، العزلة هي غذاء الكلمات، فلكي تنضج العبارة الشعرية، يجب أن تنزوي في مكان ما لا ترقى إليه ضوضاء الحياة». وضمن كلامه أيضاً نتعرف إلى تعريف الشعر عند فاليري: «الشعر تجميد الانفعال الذاتي العابر في صيغة أدبية أشبه بصيغ الرياضيات». في الصفحات المخصصة للشاعر الأمريكي ادغار ألن بو نتعرف إلى الدراسة النفسية التي نشرتها «ماري بونابرت» وهي إحدى تلميذات فرويد عن هذا الشاعر، وتقوم الدراسة على تحليل نفسي عميق لطفولة الشاعر. ومن قصيدته الوحيد نقرأ: مختلفاً كنت منذ طفولتي مختلفة كانت رؤيتي مختلفاً كان منبع سعادتي مختلفاً كان منشأ سعادتي مختلفاً كان منشأ أحزاني لحن مختلف كان يرقصني طرباً.. في هذا الكتاب لا يمكن للقارئ أن يترك صفحة دون تفحص دقيق مخافة أن يفوته تلك الصور والأفكار الكبرى التي تضمنتها قصيدة أو مقطع حواري.. أما الشاعر الروسي ميخائيل دودين فيقول: الشعر هو مصيرنا جميعاً حين يملي علينا الزمن أن نتبادل النظرات المتألقة، ونكتم حبنا الدفين أن نقول: كان لنا الأمس وها نحن نستطيع أبداً أن نكون كما نريد ترى كم كانت البشرية ستربح إنسانياً لو تخلت عن كل مخزونها من السلاح، وأبقت فقط على مخزونها من الشعر والحكمة والفكر. |
|