|
متابعات سياسية وفي كلتا الحالتين تبدو الولايات المتحدة عاجزة عن تحمل تداعيات وتبعات الخيارين التي تبدو كارثية في كافة الأحوال لعدة أسباب سنأتي على أبرزها. فالاعتراف بالهزيمة في المنظور السياسي البراغماتي من قبل دولة عظمى كالولايات المتحدة الأميركية تعاني تضخماً مفرطاً في النرجسية والفوقية والأنا المتورمة جداً، ليس في حقيقة الأمر إلا إفصاحاً وتعبيراً عن سقوط وانهيار مرتقب وقريب لتلك الدولة ليس كـ (منظومة) بل كدور وطرف في سياق الموقع والمكانة و التموضع الدولي، وهذا ما لا يسمح به بشكل عام في قاموس الدول الكبرى إلا في حالات خاصة واستثنائية جدا يكون فيها الانهيار والسقوط هو أخر الخيارات والحلول الاسعافية التي تحمي الدولة من الذوبان والفناء الكلي، خاصة وان الولايات المتحدة تخوض حربها الأصعب والأعقد في تاريخها لجهة الاستيلاء على إرادة وقرار المنطقة بالكامل واثبات أنها سيدة العالم بلا منازع ، وهي حرب تشكل للأخيرة حرب وجود ومصير لان الرابح في هذه الحرب سيكون سيد العالم وهو سيعيد صياغة المعادلات والقواعد الجديدة التي سيرتكز عليها النظام العالمي سواء كان المنتصر دولة أو مجموعة دول متحالفة. وبالتالي فإن الاعتراف بالهزيمة يعد من الخطوط الحمراء للولايات المتحدة، لكن عدم الاعتراف بالهزيمة لا يلغي حضورها و وجودها وسطوع انعكاساتها ومعالمها التي بدت آثارها وتداعياتها صارخة خلال الأشهر القليلة الماضية، وربما هذا ما دفع بالساسة الأميركيين إلى حالة من الإرباك واجترار الذات والهروب من الاعتراف بالهزيمة عبر المناورة والمداورة والبحث عن فرص ومساحات جديدة لالتقاط الأنفاس و رسم استراتيجيات لتشتيت الانتباه وامتصاص الصدمة،ولعل التصريحات الأخيرة لبعض المسؤولين الأميركيين بدءا من روبرت فورد وصولا إلى جون كيري والرئيس أوباما تندرج في هذا السياق الذي يحقق هدفين بضربة واحدة، امتصاص وتمييع الصدمة وتشتيت الانتباه دون الاعتراف بالهزيمة – صحيح أن روبرت فورد نعى الاستراتيجية الأميركية لكنه بنفس الوقت دعا بلاده للاستمرار بدعم الإرهابيين وكأن محور دعم الإرهابيين هو خارج الاستراتيجية الأميركية المتبعة!؟، وهذا ينطبق أيضاً على جون كيري والرئيس اوباما اللذان صرحا مايوحي باستدارة أميركية نفتها الخارجية الأميركية واوباما نفسه في اليوم ذاته جملة وتفصيلا وفي كلتا الحالتين لايوجد اعتراف بالهزيمة رغم الإشارة إليها بشكل واضح. خيار المواجهة يبدو بالنسبة للولايات المتحدة أصعب من خيار الهزيمة لأنه يحمل في طياته وتداعياته نتائج كارثية ليس على المنطقة فحسب بل على الولايات المتحدة والعالم ، وهذا ما لا تقدر عليه أو تستطيع تحمله الإدارة الأميركية في الوقت الحالي لعدة أسباب داخلية ترتبط بالداخل الأميركي نفسه على كافة الأصعدة والمستويات السياسية منها والاقتصادية والتي تضربها الخلافات والاختلافات والتصدعات، وخارجية ترتبط من جهة بالسياسة والاستراتيجية الأميركية على مستوى العالم التي تعاني هي الأخرى مأزقاً حقيقيا بسبب ازدواجيتها وسوء تطبيقها وتنفيذها لجهة عدم مصداقيتها وكارثيتها ودمويتها على مستوى العالم، وترتبط من جهة أخرى بتغير المعادلات الإقليمية والدولية التي أنتجت قواعد لعبة جديدة وموازين قوى مختلفة عن السابق وتكتلات دولية سياسية واقتصادية مناهضة للسياسات الأميركية ، وهذا ما جعل من السلوك الأميركي عموما وردات الفعل الأميركية أسيرة لتلك المتغيرات والتبدلات إلى حد ما . السؤال الكبير الذي يدفع بنفسه إلى السطح في ظل هذا الواقع العقيم، هل من منطقة وسطى للسياسة الأميركية تنفث فيها غضبها وفشلها وتلقي فيها بأحمالها وأثقالها، وتشكل لها مهربا ونجاةً من فضيحة الهزيمة و كارثية المواجهة ؟، الجواب بالتأكيد نعم، المنطقة الوسطى أو الحل أو الخيار الوسطي هو ما يشهده العالم حاليا من ضبابية وفوضى منظمة ومقصودة هي الخيار الأنسب والأمثل للولايات المتحدة للتهرب من الخيارين وتأخير اتخاذ القرار في كلاهما لكسب مزيد من الوقت حتى تتمكن من تحقيق انجازات تمكنها من تغيير المعادلات والموازين على الأرض وإعادة دفة التحكم والسيطرة إلى البيت الأبيض وأجهزة استخباراته، وربما هذا مايندرج تحت عنوان استراحة (المحارب)، وهو مايشرح بالتالي السبب الرئيس للجنوح الأميركي المفاجئ للاتفاق مع إيران في هذه المرحلة تحديدا الذي يهدف بالدرجة الأولى الى تحييد عدو أو خصم و تجميد القتال على إحدى أهم الجبهات التي فتحتها الولايات الأميركية في المنطقة والعالم مع الحفاظ على دعم خطوط الإمداد والنار في الجبهات الأخرى التي تحافظ لها كما أسلفنا على الوقوف في الوسط. |
|