|
عن لومانيتيه خوسيه ساراماغو حامل جائزة نوبل للآداب عام 1998 يقدم هذه المرة اوديسا ممتعة تتناول عالم الحيوان ومستوحاة من حدث تاريخي معروف عندما قام ملك البرتغال عام 1561 بإهداء صهر الامبراطور شارل كوينت لدوق النمسا ماكسيميليان فيلاً هندياً يدعى سالومون مثقلاً بخرطوم ضخم يمتد على ظهره ليبدأ مسيرته من لشبونة إلى فيينا مروراً بهضاب الكاستيل في إسبانيا التي لم تكن وطأتها حتى ذلك الحين سوى قدمي سالومون ودونكيشوت بالطبع ومن جنوا في إيطاليا إلى جبال الألب في فرنسا التي تسلقها قبله أجداده الفيلة تحت قيادة هنيبعل. ويصبح سالومون برحلته هذه رمزاً حياً وكبيراً لأوروبا التي كانت فريسة للصراعات بشتى أنواعها على مرأى ومسمع محاكم التفتيش المنتشرة في كل مكان وللجماهير المشدوهة والمستغربة من ضخامة هذا الحيوان وعظمة خرطومه الذي يشبه البوق. فكرة الرواية كان ساراماغو قد استوحاها منذ حوالي عشر سنوات عندما كان في النمسا ودخل صدفة ليتناول الطعام في مطعم في سالزبورغ اسمه «الفيل» لكن التأخير في إنجاز هذا العمل سببه المرض الذي أصاب الكاتب في جهازه التنفسي وكاد يودي بحياته وكان خوفه كبيراً من ألا يكمل الرواية وقصة ساراماغو مع المرض والاقتراب من الموت تحاكي ما جاء في الرواية عن رجل شارف على الموت لكن نداء الفيل الحقيقي ينقذه حين سماعه. الموت ضروري وأملك سكينته: يقول ساراماغو: أثق بأن الموت الذي اقترب مني أعطاني فسحة جديدة لسنوات أخرى وقد تجاوزته ليتاح لي إنهاء روايتي «رحلة الفيل». لقد تعلمت أن الموت ضرورة يجب القبول بها بنقاء وسكينة ولم أخش الموت يوماً لأني أمتلك تلك السكينة». ما يميز الفيل الضخم في الرواية هو أنه يتمتع بشيء من الحكمة وسط عالم فقد رشده بطبيعته. يقول ساراماغو: هناك فيلان في فيل واحد الأول ينصاع لما نعلمه إياه والآخر يغرق في تعنته وتشبثه بجهله ويتابع: لقد اكتشفت أني أشبه الفيل تماماً، فجزء مني منفتح للعمل وجزئي الآخر يميل إلى تجاهل ما تعلمّه جزئي الأول وبقدر ما يزداد جهله بقدر ما يعيش حياة أطول. لقد جهد الكاتب أن يستطرد ما أمكنه وهو يروي وجهة سير الفيل والتحولات المفاجئة وتفاصيل الرحلة. لكن ليس من الضروري أن يقول لنا: إن كل شيء في رحلة سالومون واغترابه كان على ما يرام أو في أبهى صوره. أما القادة الذين أوكلت إليهم مهمة الإشراف على الحملة فقد كانوا متمسكين بالمبادئ الصارمة وجاء وصفهم على لسان الكاتب بطريقة ساخرة جداً. «مسكين سالومون لقد فاته أن يذهب إلى كاهن القرية ليتبارك منه ويطرد الشياطين عنه، هذا ما كان يفعله الكاهن بناءً على رغبة الرعية في زمن طغت فيه الظلامية». أما خرطوم سالومون فلم يخش أن يفقد مكانه من على ظهر الفيل لأنه مع وصوله إلى فيينا لم يكن هناك أي نمساوي قادر على امتطاء ظهر هذا الحيوان الغريب في ذاك الزمن ليبقى الخرطوم مترنحاً على ظهر صاحبه. في هذه الرواية تظهر الشخصيات متوافقة مع متطلبات الرواية التي تحاكي خيال ساراماغو المتميز بعنفوانه ومع أنه يتحدث عن قصة واقعة في التاريخ غير أن الرواية لا يمكن اعتبارها رواية تاريخية وفيها تداخل بين الحوار ولغة السرد. زوجة ساراماغو ديل ريو وهي من يترجم رواياته إلى الاسبانية تقول: إن شخصيات الرواية تبرز وفقاً لما تتطلبه الرواية والقارئ بالنسبة لساراماغو شخصية أساسية يتم استجوابه ومشاركته بالنص. رواية «رحلة الفيل» هي عمل يغطي جميع أجناس الأدب وهي حكاية ممتعة غنية بالدروس والعبر الأخلاقية ويمكنها الولوج ببساطة وبصورة كاملة إلى الفكر النير وإلى عقل يحتاج اليوم لأن يستعيد نفسه أكثر من أي وقت مضى. |
|