|
آراء ومن ثم مقتولة تحت سنابك خيول الغزو الأجنبي فحل الانحطاط والتخلف والجهل وبدت الشريعة وكأنها نصوص مختلفة ومغايرة للنص الإسلامي الأول نتيجة الانقسامات في صفوف الأمة التي استحالت كمًّا لا يحصى من المِلَل والنِّحَل 0 وقد يكون زمن تبلور العقل مرتبطا بمدنية المجتمع ونضج الفلسفة وترسُّخ مقولاتها لتصبح مبادئ عامة ومفاهيم لقيم المجتمع الجديدة التي تساعد على احترام الحريات الفردية وصون المبادرات الإبداعية وهذا ما تم فعلا مع تأسيس الدولة الإسلامية فالفيلسوف العربي ( الكندي ) توفي 260 هجرية استطاع أن يضفي جدل المنطق العقلي على تلك الروحية المجنحة بالعاطفة والتي كانت سمة المسلم وهو بذلك حاكى الوجود والكون بحواريات المتسائل للوصول إلى جوهر الفهم, وهو بذلك أيضا فتح المجال واسعا للإستعانة بالفلسفة اليونانية التي كانت قد تُرجمت وتُترجم بشكل واسع ويقْبل عليها الناس كما يقبلون على الشريعة ومذاهبها الفقهية وبسبب ازدهار حرية العقل من خلال الخوض بمسائل منطقية وتمس تلك الخطوط الحمراء التي لا تسمح بها الشريعة ولكن الخلافة رعتها أو سكتت عنها ازدهرت الفلسفة وكان للفارابي -المتوفى عام 339هجرية- ذلك الحضور المذهل والمؤثر وكذلك لابن سينا من بعده -المتوفي عام 428 هجرية- وكذلك الأمر للمعتزلة والصوفية وإخوان الصفا والإشراقيين وحتى للعامة, ولكن القرن الخامس الهجري شهد صراعا بين الشريعة والفلسفة أي بين العاطفة والعقل انتهى لمصلحة الشريعة بانتصار مقولات كتب الغزالي -المتوفي عام 505 هجرية-: تهافت الفلاسفة والمنقذ من الضلال وإحياء علوم الدين ولقد فشل ابن رشد -المتوفي عام 595هجرية-, بل, وقتل بسبب ما جاء به من ردود وتفنيد المسائل الإثنتين وعشرين في كتاب تهافت الفلاسفة للغزالي بكتابه تهافت التهافت وهو يرى أن مهمة الفلسفة أن تبرهن على حقائق الدين وتؤيدها ولا يخاف من حرية العقل إلا تعصب الجاهلين لأن من تنقص معرفتهم ينظرون إلى حقائق الفلسفة كما لو كانت منافية للدين 0 واستمرت الحالة العاطفية تلعب بغرائز وشهوات وانفعال العربي حتى تاريخنا المعاصر حيث بقي على الرغم من كل ما تلقاه من ثقافة ومعرفة وعلوم تحت رحمة البنية الإيمانية الروحية العصبية لكيانه, وفي خضمّ تأويله للنفس الإنسانية سواء من ناحية الدلالة أو المدلول بأنها ليست إلا نفخة نفخها الله من روحه في الإنسان, وأن العقل ليس العنصر الجوهري للنفس بل هو يتصل بهيكل الجسم, فاستفاق الإنسان حاملا عناصر ردّتِه إلى الجاهلية مثل تبعيته لنعرات المذهبية والعشائرية والطائفية مؤكدا صدق مقولات ابن خلدون في العصبية في كتابه المقدمة والذي هو بالفعل منهج مدروس لعلم اجتماع تاريخي 0 ولن أغوص عميقا في أحداث التاريخ العربي القديم, بل أتحدث عن الشكل الغرائزي الذي بات يحكم الكثير من ذهنيات نخب الحاضر العربي حيث وُضِعت كل الخطط العقلية من قبل الأعداء لضرب أية يقظة عربية عقلية تكون هي الباعثة فعلا لقيامة العرب الحضارية ومشاركتهم في إبداع روح هذا العصر, وكأن المطلوب أن يبقى العربي مخدرا في قلق انفعاله الغضبي وهوى عاطفته الجياشة وشبه أعمى بحيث لا يرى الصورة الحية والحيوية لعصرية مستقبله 0 وفي بداية القرن العشرين حين توضحت الملامح الأولى للنهضة العربية استفحل خلاف على مستوى النخبة حول تبني أحد خيارين: إما إحياء الماضي والانتفاع بقيمه ومتابعة استحضاره أدبيا وعلميا ودينيا, وإما الاستفادة مباشرة من مكتسبات الحضارة الغربية والسير معها ومواكبتها معرفيا وتطبيق ظواهرها الجديدة على مجتمعنا بعيدا عن النظر الممعن إلى خاصياته التي تحتاج إلى وعيها, ومن ثم إنضاجها بقصد إحداث التكيف اللازم, وإعادة تقبُّل تلقي وهج (السهم الحضاري ) حسب تعبير نيتشه والذي برأيه استطاع الغرب تلقيه من الحضارة الإسلامية والتي تلقته بدورها من الحضارة اليونانية, وبناء القيم الجديدة للإنسان العربي وبحيث تسمح له التعبير بندية عن مشاركته في إبداع ثقافة وعلوم وإنتاج متطلبات هذا العصر المحموم بالسرعة وغزارة الاختراعات وكثافة اكتشاف القوانين التي تفضُّ الكثير من أسرار الحقائق التي لا يزال الإنسان العربي يتعامل معها كأوهام أو خرافات ويعاني من وساوسه المرعبة تجاهها نتيجة سوء فهمه لها 0 إذن, الإنسان العربي أمام تحديات المستقبل, ووجوده رهن بقدراته على إثارة توهجه العقلي من جديد, وبهذا التوهج يواجه الصعوبات التي يثيرها الآخرون في طريقه, وإن هذه الصعوبات هي في طبيعتها مؤامرات تستهدف النيل من دوره القابل للإحياء من خلال تفجير طاقات كامنة فيه هي محفِّزات ضخمة لانطلاقته الحضارية وخير دلالة على ذلك الفعل الفردي الذي يحققه المفكرون والعلماء العرب في البلدان الغربية وهو بالآلاف فالغرب لا يزال يمارس إغراءاته وإغواءاته لاصطياد كل عقل عربي نيّر في حين إن وجود هذا العقل في مجتمعه لا يعني أكثر من انضوائه في روتين العمل المضجر ومن انضمامه للجمود الإبداعي في مجتمع توقف نشاطه الحضاري ويستهلك حاجاته ولا يفكر حتى بمجرد تقليد إنتاجها 0 وعلى الرغم من عموم العلم وتخلص أكثرية العرب من أميتهم وجهلهم, وعلى الرغم من الأفكار والنظرات المهمة التي عمت كقيم جديدة ومؤثرة في المجتمعات العربية خلال العقود السابقة, وعلى الرغم - أيضا - من الإيديولوجيات السياسية التي انتشرت وسيطرت بتصوراتها العقلية لحداثة المجتمع كمبادئ أولية لها ثم وبسبب الحاجة إلى الرفد الجماهيري تحولت لتخدم ذهنية الجماهير وبنيانها العاطفي والروحي فوصلت إلى حقيقة سلبية وربما هي بذلك ولتوقف نشاطها الإيديولوجي في تحليل وتشخيص مناخات البيئة الإجتماعية وتفعيلها مع أفكارها بشكل مجدي وجدير بتحقيق إنتاجية عصرية,مهدت لحدوث ردة ملفتة نحو الأصولية والتعصب الأعمى لأفكارها, وطبعا بسبب بقاء مطرقة الآخر الغريب والمعادي, فإن العربي بقي في موقع المدافع عن وجوده الحالي بمنطق أن وجوده هذا متوقف على تلك الحضارة التي أسسها أسلافه, مقتنعا أنه ليس أكثر من خلف يدفع الثمن, في وهم صراع الحضارات, وهنا أذكر بالمعاهد التي يديرها اللوبي الصهيوني في فلسطين المحتلة والولايات المتحدة وأوروبا وهذه المعاهد يعمل بها عدد مهم من العرب كوليد فارس وفؤاد عجمي ويحاضر فيها سياسيون عرب وهي تدرّس كيفية السيطرة ومن ثم التحكم وتوجيه العقل العربي حتى مئاتٍ من السنين, كمهعد تل أبيب لتحديد مستويات العقل العربي ومعهد واشنطن لأبحاث الشرق الأوسط, ولذلك لا يمكنني قراءة حالة العرب المرهونة بالتهويل والترهيب والتخويف من خطر بعضهم على بعضهم الآخر, الآن, إلا من منطق الرسم البياني الموضوع بإحكام لبقاء العربي في حالة من الضعف والخوف والقلق والتقاتل والتباعد وبعيدا عن حقوقه البسيطة في التنبه بعقله لحقيقة ما يجري خوفا من القوة التي سيحدثها هذا العقل في إنتاج الفعل العصري كتعبير عربي عن المساهمة في الحضارة الإنسانية 0 |
|