تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


وقف النار في غزة ..استراحة ... أم حاجة إسرائيلية

قراءة في الصحافة الإسرائيلية
ترجمة
الأربعاء 6/12/2006
قراءة أحمد أبو هدبة

ما الذي جعل حكومة أولمرت توافق على المبادرة الفلسطينية في وقف إطلاق النار. وكيف ترى هذه المبادرة وكيف تتعامل معها? .مما لا شك فيه أن لنتائج الحرب العدوانية الأخيرة على لبنان,

وفشل العمليات العسكرية في قطاع غزة في تحقيق أهداف سياسية, أهمها, إفشال الحكومة الفلسطينية, وممارسة مزيد من الضغط على السلطة والشعب الفلسطيني خلال إحكام الحصار السياسي والاقتصادي . إلى جانب ما تشهده الحلبة السياسية والحزبية الداخلية الإسرائيلية من تجاذبات سياسية عميقة, والخلافات بين المؤسسة السياسية والعسكرية حول إدارة الحكومة والجيش خلال الحرب اللبنانية والاعتداءات على الشعب الفلسطيني, كل ذلك يشكل عوامل ذاتية داخلية دفعت بأولمرت وحكومته للموافقة على وقف إطلاق النار, لكن الأهم من ذلك كله, هو ما نشهده الآن من تغيرات دولية, سواء لجهة فوز الديموقراطيين في أمريكا في الانتخابات النصفية, وبالتالي احتمال تغيير اتجاه السياسات الأمريكية حيال الملفات الساخنة في المنطقة, وخاصة ما يجري في العراق وفلسطين ولبنان, والمبادرة الأوروبية الأخيرة التي عبر عنها رئيس الحكومة البريطانية بلير حول ضرورة حل الصراع في الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية بالذات. وهو أمر بات مثار حديث الساحة الدولية في هذه الأيام ودعوة بعض الساسة الأوروبيين إلى فتح حوار مع كل من سورية وإيران من أجل معالجة قضايا المنطقة بالوسائل السلمية أو الدبلوماسية.‏

والعامل الأكثر أهمية بين هذا وذاك, هو الأصوات المتزايدة في الشارع الصهيوني التي تعكس تعب هذا الشارع من استمرار الصراع, ودعوات شركاء أولمرت في الائتلاف الحكومي - حزب العمل, بزعامة بيرتس للبدء في فتح حوار مع السلطة الفلسطينية حول معاودة المفاوضات, علاوة على صمود الشعب الفلسطيني وعدم الاستجابة لجميع الإملاءات الإسرائيلية والأمريكية بل وإسقاطها والتمسك بخيار المقاومة والسعي حثيثا باتجاه ترتيب البيت الفلسطيني وبالتالي ترسيخ الوحدة الوطنية الفلسطينية على أساس برنامج سياسي يأخذ باعتباره الثوابت الفلسطينية الأساسية لهذه المرحلة . فكل هذه العوامل الداخلية والإقليمية والدولية هي التي جعلت أولمرت وحكومته يتلقف المبادرة الفلسطينية لوقف إطلاق النار. لكن السؤال الكبير الذي يطرح نفسه : كيف تفهم هذه الحكومة وقف إطلاق النار وتتعامل في الوقت نفسه معه?.بات مؤكدا لكل متابع لقضايا الصراع مع المشروع الصهيوني, وخاصة في الفترة التي أعقبت مؤتمر مدريد وما تلاه من اتفاقيات منفردة - أوسلو, وادي عربة - أن منظور التسوية أو السلام للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة يرتكز أولا وقبل كل شيء, إلى موازين القوى الإقليمية والدولية المختل أصلا لصالحه, ثم إن أية تسوية يجب أن تكون إطار المصالح الأمنية الاستراتيجية للكيان, تؤدي أولا إلى الاعتراف به وتكريس وجوده في المنطقة, على قاعدة تفوقه العسكري والاقتصادي. فهكذا كان سلوك الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سواء أكانت عمالية أو ليكودية أو مشتركة طوال المرحلة المذكورة. إذن لن يكون أولمرت وحكومته مختلفا في سلوكه أو شاذا عن هذه الرؤية الاستراتيجية بالنسبة للتسوية بشكل عام, لكنه كأي سياسي يتعاطى مع المتغيرات الآنفة الذكر ويحاول أن يتكيف معها وأن يوظفها لصالح ما يطمح بتحقيقه من أهداف. فهو أي أولمرت لم يغيرَ على الإطلاق من سياساته القائمة وأن تغيرت لهجته في الخطاب السياسي على صعيد التعاطي مع وقف إطلاق النار, وإن تباينت أيضا ردود الأفعال الداخلية حول التعاطي مع وقف إطلاق, سواء على لسان بعض قادة جيش الاحتلال الذين أبدوا خشيتهم من استغلال وقف إطلاق النار لصالح تعاظم قدرات حماس وفصائل المقاومة الأخرى وتحويل غزة إلى نفس الوضع الذي كان سائدا في لبنان قبل الحرب الأخيرة أو لجهة ما عبرت عنه وزيرة خارجية أولمرت حول وجود مشروع سياسي تسووي لديها, أو وجهة نظر حزب العمل في التعاطي مع السلطة الفلسطينية والبدء في مفاوضات حول ما يسمى تسوية مؤقتة.‏

على أية حال, تعامل أولمرت مع وقف إطلاق, وكان شيئا لم يكن على المستوى العسكري وأطلق العنان لقواته للاستمرار في عمليات القتل والاعتقال والحصار من جهة ومحاولة الإيحاء بأن وقف النار يسري في غزة وليس له علاقة بالضفة وإن الأمر يتعلق بمجرد مبادرة يجب أن يثبت الفلسطينيون جديتهم وقدرتهم على كبح جماح ما سمي بالإرهاب من جهة أخرى. علاوة على سعيه الحثيث للإيحاء للرأي العام الداخلي والخارجي بأن إسرائيل استجابت لمبادرة وقف النار. لكنه في مقابل ذلك كله أكد وبشكل جلي, المعايير والثوابت التي ينطلق منها فيما يتعلق بأيه تسوية كانت مؤقتة أو دائمة مع الفلسطينيين وهي (تنازل الفلسطينيين عن حق العودة, والانسحاب من معظم أراضي الضفة وليس حدود عام 1967, وعدم التنازل عن القدس, وإطلاق سراح عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين مقابل الجندي وبالتالي وهو الأهم اعتراف جميع القوى الفلسطينية بإسرائيل).‏

في مقال تحليلي واسع تعليقا على موقف أولمرت من وقف إطلاق النار كتبت سيمحا كدمون في هآرتس تقول: أولمرت قام بتوليد نفسه من جديد بالأمس. من داخل إخفاقات الحرب في لبنان وصدمة القسام المتواصلة في الجنوب ومعاركه الموحلة السياسية مع وزير الحرب واشهر طويلة من انعدام المبادرة وغياب جدول الأعمال هبط علينا بالأمس مثل طائر سريع يخرج من الاراضي المحروقة , اختار أولمرت في هذه المرة أيضا إلقاء خطاب سياسي مفاجيء ومثير للفضول وللأصداء. رئيس الوزراء توجه في خطابه إلى الشعب الفلسطيني من فوق رأس قادته. هو وعدهم بجبال وتلال شاهقة من الوعود وعلى وجه الخصوص دولة فلسطينية سيادية مع تواصل جغرافي إقليمي هذا ناهيك عن كل الامتيازات الأخرى, كإطلاق سراح (الكثير من) السجناء مقابل جلعاد شليت وتحرير الأموال المحجوزة وتقليص عدد الحواجز وتحسين الطرقات. ولكنه أيضا يطالبهم بأمور ليست بالقليلة. هو يعيد قرار الرباعية إلى طاولة المباحثات. وهو يحيي خريطة الطريق ويضع على الطاولة مطلب التنازل عن حق العودة بصورة لا تقبل التأويل. ليس من الصعب تخمين السبب الذي دفع أولمرت إلى الخروج الآن مع خطة سياسية كانت مبادئها الأساسية قد ذكرت على لسانه في السابق أيضا, ولكن الأمر الجديد فيها يتمثل كأنها تتحدث عن فك ارتباط بالاتفاق. ما يجلبه أولمرت اليوم هو بالضبط ما دفع شارون في حينه إلى الخروج مع فك الارتباط, وضعه في الاستطلاعات, انعدام الأفق السياسي والأمل الذي كان قد أدى إلى زيادة العنف, خطط سياسية تولد في كل صباح والساخرون قد يضيفون أيضاً سيف التحقيقات الآخذ في التزايد حوله...‏

على الجانب الآخر من الموضوع نفسه يبرز موقف جيش الاحتلال وكأنه موقف يتناقض مع ما أعلنه أولمرت من مواقف وفي هذا الصدد يقول اريك بندر مراسل معاريف العسكري في قطاع غزة على لسان رئيس أركان جيش الاحتلال في تقرير تحت عنوان: لم يتشاوروا معي لم نكن شركاء إلا جزئيا في اتخاذ القرارات بشأن وقف النار في القطاع, هكذا كشف النقاب أمس رئيس الأركان حلوتس في لجنة الخارجية والأمن للكنيست. ومع ذلك, فقد ادعى حلوتس بأن هذه الأقوال لا تعكس انتقادا على القيادة السياسية. وفي اللجنة سارعوا إلى أن يروا في أقواله انتقادا للقيادة السياسية, ولا سيما رئيس الوزراء, ولكن حلوتس أشار إلى أنه لا يوجد إي انتقاد , ولو كنت أريد أن انتقد لفعلت ذلك(.وأبلغ رئيس الأركان أعضاء اللجنة بأنه منذ الإعلان عن وقف النار, غادرت كل قوات الجيش الإسرائيلي التي كانت داخل القطاع المنطقة وانتشرت في انتشار دفاعي حول القطاع. وشدد في حديثه على أن وقف النار ينطبق على النار الصاروخية من غزة إلى إسرائيل, ولا يستجيب لمسألة تعاظم القوة والتهريب أو إعادة جلعاد شليت. وأوضح رئيس الأركان أيضا بأنه لا توجد وثيقة مكتوبة بالنسبة لوقف النار. )نحن تلقينا وصفا محددا وفي ضوء ذلك نعمل. وإذا كان هناك شيء غير واضح فإننا نراجع ذوي الأمر شرح قائلا. ولكن الأهم من ذلك كما يقول هذا الكاتب على لسان حلوتس : كما شدد حلوتس على أن لا صلة بين وقف النار في القطاع وبين نشاطات الجيش الإسرائيلي في مناطق الضفة الغربية يهودا والسامرة.‏

من جهته يرى الكاتب يوسف حريف في معاريف بان وقف إطلاق لا يشكل تحولا جذريا بالنسبة لما اسماه الجمهور الإسرائيلي: لا يشعر الجمهور أن وقف إطلاق النار مع الفلسطينيين الذي بدأ هذا الأسبوع, يشكل تحولا حقيقيا, قد يفضي إلى حوار موضوعي نحو تسوية سلمية.بعد يوم واحد فقط من بدء وقف إطلاق النار .‏

صحيفة هارتس في افتتاحية لها ترى غير ذلك وتطالب أن يشمل وقف إطلاق النار الضفة الغربية أيضا وتقول : التطورات التي حصلت في الأيام الأخيرة من شأنها إثارة بعض الآمال, فالاتفاق على وقف إطلاق النار في غزة, مع خطاب رئيس الوزراء, يمكنهما بلورة أجواء جديدة في العلاقات مع الفلسطينيين. أجواء قد تسمح بالبدء في المفاوضات السياسية الجدية بين الطرفين. يتوجب على إسرائيل أن لا تفوت فرصة الإمكانيات المحتملة النادرة التي وجدت.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية