تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


السلاح النووي أم أشياء أخرى?!

نوفوستي
شؤون سياسية
الخميس 22/3/2007
ترجمة د. ابراهيم زعير

إذا أردنا أن نسمي الأشياء بأسمائها,فإننا لا يمكن إلا أن نتوصل الى نتيجة واحدة حول المسألة النووية الايرانية,

وهي أن جميع المحاولات المستمرة منذ عدة أشهر لتسوية هذه المشكلة, بايجاد حلول مقبولة لدى جميع الأطراف المتنازعة حولها,باءت بالفشل ما يوحي وكأن مستقبل الصراع بين الولايات المتحدة وايران لا نهاية سعيدة له!! فقد طرحت جميع المقترحات لحل النزاع بمختلف الطرق السلمية,ولم يبق سوى الاحتمال العسكري الذي فيما إذا حدث سيكون كارثياً بجميع المقاييس على الجميع وهذا الاحتمال الخطر,يتقدم بقدر تراجع (حكمة العقل الجماعي) للوسطاء الذين مازال دورهم يراوح في مكانه,بل وغرق في متاهة التناقضات الداخلية الخاصة.‏

وهذا ما عرقل أي تقدم في مساعيه للمساعدة في حل المشاكل الجدية وهذا الوضع سمح بأن تظهر بين الحين والآخر الدعوة لحل المشكلة الايرانية باستخدام القوة خاصة عندما تلجأ الأطراف المعنية بهذه المشكلة الى التملص من المقترحات المتضمنة الحلول السلمية,هذه الحلول التي لم تؤخذ حتى الان على محمل الجد. ففي كل مرة نجد تصادماً بين مصلحتين متناقضتين,المصالح الأميركية من جهة والمصالح الايرانية من جهة أخرى.ويظهر بوضوح خلال السجالات أن المسألة النووية والتي يتحدث عنها الجميع اليوم ليست في الواقع الفعلي هي الرئيسية في النزاع الأميركي- الايراني.‏

فطهران تطمح للاعتراف الدولي بوضعها الراهن كدولة إقليمية قوية تلعب دوراً بارزاً في ساحة الشرق الأوسط الكبير,الذي تريد واشنطن الهيمنة عليه.‏

والسلاح النووي ليس أكثر من أداة مميزة لشكل جديد في الصراع القائم يضيف ثقلاً نوعياً في أي لعبة سياسية. ولا بد من لفت الانتباه ,بهذا الشأن,على أن كبرياء وعزة نفس ايران لم تنمو ولم تظهر من فراغ.‏

فايران تشعر بأنه يجب أن يكون لها دور مميز ومعترف به في المنطقة واصرارها على نهجها في تخصيب اليورانيوم وتنمية قدراتها الذاتية في جميع المجالات,سيحقق لها هذا الدور,وأي تراجع عن نهجها الحالي سيعيق تطورها بهذا الاتجاه.ولهذا فهي حريصة كل الحرص على التمسك بسياستها ونهجها الحالي .أما بالنسبة للولايات المتحدة,التي تتحدث عن سلاح نووي ايراني,فهو دون أدنى شك عامل غير مرغوب به بالنسبة لها ولكنه في جميع الأحوال ليس هو سبب الخلاف الرئيسي مع طهران.‏

وليس هو الذي يثير غضب أميركا,ففي هذه المنطقة يوجد دول أخرى تمتلك السلاح النووي, باكستان على سبيل المثال وإسرائيل,وغيرها . فالرئيسي من وجهة نظر الولايات المتحدة والذي يكمن فيه جوهر الخلافات, هو تخوفها من طموحات ايران أن تصبح دولة اقليمية قوية وعظمى,متعارضة مصالحها جذرياً مع مصالح الولايات المتحدة الحيوية في هذا الجزء من العالم (الشرق الأوسط الكبير) وليس لدى الولايات المتحدة الرغبة بأن ترى دولة كبرى وقوية أخرى غيرها تعرقل مصالحها الحيوية.‏

وأميركا غير قادرة بفعل طموحاتها هذه,أن لا تأخذ بالحسبان بأن الطموحات الايرانية هذه لا تترافق بتحولات داخلية ايرانية جذرية, تجعلها دولة ولو كانت قوية غير خطرة على المصالح الأميركية كما هو حال الدول الأخرى المالكة للسلاح النووي. وليس في الأفق أية مؤشرات لتغيير النظام في طهران كما تشتهي واشنطن بل ولا يوجد أحد قادر أن يغيره ولذلك فإن التساهل بالملف الايراني حسب وجهة النظر الأميركي يعين السماح لطهران بتنامي قوتها وقدراتها الكامنة بكل حرية.‏

وبطبيعة الحال لا يوجد عاقل يسمح لنفسه بالوقوع في المصيدة أو الفخ المنصوب له. صحيح أن الأمريكان يريدون ايجاد حل لهذه المشكلة المعقدة,ولكن على أن تكون بأقل الخسائر.‏

وفي نفس الوقت فإن التماطل بالحل,سيعقد الأمور أكثر بكثير مما هي عليه الآن,ويمكن تشبيه النهج السياسي لكل من طهران وواشنطن الحالي, بسيارتين تسيران بسرعة فائقة باتجاه بعضهما البعض وفي طريق ضيق لا يتسع لأكثر من سيارة بالاتجاه الواحد,وسيجد الطرفان في لحظة معينة بأنه لا مفر من التصادم, إلا إذا قرر أحد السائقين تغيير اتجاهه لتلافي التصادم ولكن البادئ سيمنى بالخسارة حتماً.‏

والمسألة الأخرى التي تدركها واشنطن وطهران في آن واحد,هي أن الحرب بالنسبة لايران قد تعيق تقدمها نحو هدفها المنشود وبالتحول الى دولة قوية وكبرى في المنطقة ولا نتحدث هنا عن موضوع السلاح النووي الذي لن يكتب له النجاح في هذه الحالة بطبيعة الحال هذا فيما إذا كان لدى ايران مثل هذا الطموح. أما بالنسبة للولايات المتحدة فإن الحرب ستكون نتائجها عليها كارثية ومأساوية ولاسيما أن وضعها في العراق أكثر تعقيداً ولم يسمح لها بطرح أي حل ممكن للمشكلات الكبيرة التي تواجهها في العراق.‏

وهناك بعض المحللين الذين يقولون إن ايران تبذل الجهود للمماطلة بالسجالات القائمة الى حين الانتخابات الرئاسية الأميركية,ولكن من الواضح أن رافعي شعارات التصالح والمسالمة مع ايران في الأحزاب المعارضة لبوش, لا تقوم بذلك إلا كدعاية انتخابية وحسب, وربما بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الأميركية ومجيء رئيس آخر مكان بوش قد يطرأ على السياسة الأميركية تجاه ايران بعض التغيير دون شك.‏

ولكن في نهاية المطاف أن ما يملي على القادة الأميركان النهج السياسي, هو المصالح الحيوية الأساسية للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وغيرها هذه المنطقة التي ستبقى تشغل حيزاً رئيسياً في اهتمامات النخبة الحاكمة في البيت الأبيض بغض النظر عن انتماءاتها السياسية والحزبية, والجميع يفهمون تلك المصالح بصورة متقاربة جداً إذا لم تكن موحدة. ولهذا فأن المشكلة مع إيران ستبقى قائمة حتى بعد الانتخابات الرئاسية, والأحاديث عن السلام والحلول السلمية للمشكلة الايرانية, لا توفر الضمانات الموثوقة لتلافي الحرب. ولم يعد للوسطاء دور له قيمة فعلية في الصراع القائم. وجل ما تقدم به هؤلاء الوسطاء, هو أن تقوم إيران بتخصيب اليورانيوم خارج أراضيها, ولكن هذا الاقتراح لم يجد النجاح أيضاً, وفي جميع الأحوال فإن محاولات المصالحة بين الأمريكان والايرانيين باتت في حكم المستحيل تقريباً, رغم أن المسألة النووية ليست السبب الرئيسي, كما أشرنا, للنزاع بل محاولات الولايات المتحدة بمنع ولادة دولة اقليمية كبرى في المنطقة, تخرب عليها جميع ما ترسم له في المنطقة من مشاريع كمشروع (الشرق الأوسط الكبير) رغم أن هذا المشروع لن يستفيد منه سوى الولايات المتحدة تحديداً, فلا فائدة منه لشعوب المنطقة ولا للأمم المتحدة ولا لأي انسان بسيط يقطن في هذا الفضاء الجغرافي الكبير.‏

ولكن ورغم كل شيء, يجب العمل بكل جد لإيقاف امكانية الاندفاع نحو الحرب. التي ستكون وبالاً على المنطقة والعالم!!..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية