|
من كتاب . مفارق دروبي/ للكاتب اندريه برينك ما سبب له حينها الكثير من المتاعب مع السلطات العنصرية في ذلك الحين. (مفارق دروبي) عنوان كتاب صدر عن دار اكت سيد(ACTES SUD) الفرنسي، يروي فيه برينك سيرته الذاتية، ويتطرق فيه، بشكل خاص إلى نظام ما بعد التفرقةالعنصرية الذي كان سائداً في بلاده. ورغم استقبال النقاد لهذا الكتاب بالمديح والاستحسان، ولكن أحداً منهم لم يشر لا من قليل ولا من بعيد إلى فقرة كبيرة وردت ضمنه، تتعلق بالوضع الفلسطيني والبؤس الشديد الذي يعيشه الشعب هناك، ولا غرابة في ذلك، لأن هذا الغرب الذي يحاول طمس الواقع المرير للشعب الفلسطيني ، ساند وبشدة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، والآن يحاول أن يحول الزعيم الجنوب أفريقي ورفاقه في الكفاح ضد حكم الأبارتيد إلى أيقونة. يقول الكاتب برينك في تلك الفقرة: كانت التجربة الحاسمة لي في هذه الرحلة( عام2002) هي زيارتي إلى جامعة بير زيت الفلسطينية ، وكنت قد قرأت الكثير عن النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي، وسواء في سالسبورغ أو في أماكن أخرى خضت مناقشات مثيرة وحامية مع أدباء فلسطينيين، وأتذكر منها نقاشاتي مع السيدة حنان عشراوي، حين زيارتها إلى الكاتب قبيل وفاتها بمدة قصيرة، وكذك استفدت من الفكر النافذ والإنسانية التي كان يتحلى بها المفكر الفلسطيني ادوارد سعيد. ولكن هذه التجربة التي غمست نفسي بها في قلب هذا الواقع المرير التي تعيش في ظله هذه البقعة المأساوية وهذه الارض البائسة مع أهلها جعلني أدرك كم كانت خبرتي ضعيفة في حياتي. من خلال هذه الرحلة اعدت اكتشاف العمق البغيض للتمييز العنصري ، من خلال الطريقة التي كان يخضع فيها الفلسطينيون ، ومنهم أناس لم ألتق بأروع منهم كائنات في حياتي الى افظع اضطهاد تشهده البشرية، وكذلك سلسلة الرياء والنفاق الطويلة المستخدمة من قبل الجانب الاسرائيلي، في محاولته التعتيم وتشويه الحقائق، و خلال زيارتي كنت شاهداً على حدث يثير، بشكل خاص، صدمة كبيرة ، حين تعرض فيها بيت متواضع يملكه أحد الفلسطينيين الى السحق تحت شفرات بلدوزرات الجيش الاسرائيلي ، لأنه تجرأ ووضع خزان مياه فوق سطح منزله لكي يجمع فيه مياه الامطار المتساقطة. رأيت شبكة الطرقات الحديثة المقامة خصيصاً من أجل الاسرائيليين بينما انحصر تنقل الفلسطينيين في طرقات صغيرة وبائسة. في طرقات صغيرة وبائسة رأيت بساتين الزيتون ، والتي تعتبر، في أغلب الأحيان مصدر الرزق الوحيد للفلاح الفلسطيني وقد اقتلع الإسرائيليون أشجاره، ورأيت انتشار المستوطنات الحديثة في قلب الأراضي الفلسطينية، مبنية هناك رغماً عن جميع المعاهدات الموقعة، فقط من أجل تعزيز وجود وسلطة الإسرائيلي فوق أراض ليست من حقهم، وإنما اغتصبوها من شعب تمتد جذوره إلى أعماقها السحيقة. هذا كله ، كنت قد عاينته وشهدته سابقاً، خلال العهد الذي كان يتعرض فيه السود إلى الاضطهاد والقمع من قبل البيض في جنوب إفريقيا، ونفس الحجج والأعذار كنت أسمعها في ذلك الحين. « وعندما أستعيد التفكير حالياً بما رأيته، لا أستطيع أن اقتلع من ذاكرتي ما أحفظه من صور عما جرى في اشويتز وداشو، وإن لم تنطلق اسرائيل في ارتكاب مجزرة بحجم مجزرة الهولوكوست، فإن أعمال التطهير العرقي الذي تستخدمه مع الشعب الفلسطيني يعتبر، من الناحية الأخلاقية، نسخة متباطئة ومصغرة عن معسكرات الاعتقال أو معسكرات الموت. ولم استوعب كيف أن شعباً يدعي أنه يعاني الكثير للتخلص من ذاكرة المحرقة وفظائعها يمكنه فيما بعد سوم هذا العذاب وهذه الفظائع إلى شعب آخر» « كل ذلك جرى عرضه وتجميعه ، بشكل مكثف، خلال مواجهة جرت بين كاتب إسرائيلي وبين شابة فلسطينية حسناء وغاضبة، خلال مؤتمر عقد في سالسبورغ، تمكنت من حضوره، وأعتقد أن تلك اللحظات كانت من أكثر اللحظات المشهودة في حياتي». |
|