|
أبجــــد هـــوز غير أن الملاعب تقدم لنا مباريات يتصارع فيها فريق ضد فريق... لذلك نحاول نحن المتفرجين أن لا ننحاز لأحد الفريقين, وننفعل, ونذهب بعيداً في الحماسة ونحلم بالفوز ونرتطم بالخسارات. مدرجات الجامعة فيها جمهور شديد الانضباط... ينتبه إلى مباراة اللاعب فيها فريق واحد هو المحاضر أو الأستاذ, والحشد من أول المباراة إلى نهايتها في حالة إصغاء وإخفاء للتبرم واللعنات, حيث تتسلل حشود المعرفة من فم الأستاذ لتصل الأسماع, وليس أمام المدرجات ولا خلفها... أي حوار. لذلك ينزلق الجميع إلى معرفة ضئيلة عندما يؤذن الوقت بالنفاذ ويخرجون إلى الهواء, ليعيدوا صياغة رئاتهم وهواءهم وحريتهم, وينطلقون إلى صخب حي... حتى لا يتحولوا إلى هباء. وهكذا يتحقق اللبس بين الجامعة والمدرجات. يبدو أن الخصائص الأولى لوجود المدرجات في الجامعة هي أن ترقى بالطلاب إلى معرفة كبرى, إلى أسئلة مشغولة بالإجابات الكبرى.. ولا يكون ذلك إلا عندما تتمكن الجامعة بمدرجاتها وكوادرها وبرامجها وأساتذتها من الإمساك بالزمان كله وليس بمحاولة تقليب صفحات ضئيلة منه. وظيفة الجامعة التي تحتضن المعرفة الكبرى وتصنعها, أن يكون المحاضر والأستاذ قادراً على صناعة الحوار مع الجمهور المتمترس في المدرجات وتحول الطلاب من متفرجين إلى لاعبين... لاعبين حقيقيين. لا أنكر أن مبادرات خجولة يقوم بها أساتذة شجعان في الجامعة لدراسة آداب معاصرة, آداب إشكالية, آداب مغامرة وتلك هي بعض المحاولات التي تجر الجامعة إلى العصر والحياة. بالأمس أخبرني صديق لي من الباحثين في التصوف وأدبه وتجلياته وإعلامه, بأن جامعة (يريفان) عاصمة أرمينيا دعته لتمنحه شهادة الدكتوراه الفخرية تكريماً له على ما أنجز, وسألني هل أذهب أم أتعفف؟ فقلت له: مادامت جامعاتنا في هذا البلد الذي أنجز مبدعوه الكثير لا تلتفت إلى منجزاتهم, ولا تحاول أن تكرّم ذاتها ومؤسساتها من خلال تكريمهم, فاذهب ولا تتعفف. ثم سألت نفسي الخاطئة عن عدد المبدعين في كل المجالات في بلدنا الذين كرّمتهم جامعاتنا ومنحتهم شهادات فخرية, فلم أجد أحداً. فتساءلت كيف يكون ذلك؟ كيف؟ لماذا تعزل الجامعة نفسها عن ممارسة واجبها وحقها. لماذا تتحول الجامعة إلى مكان معتم وقليل الحضور والتأثير, ولا تحاول أن تكون رائدة في كل مجال. لقد حقق المبدعون في بلدنا مكانة مرموقة على كل صعيد وحصدوا العديد من الجوائز العربية والدولية, ولم تكتحل عيونهم بجوائز تمنح لهم من جامعاتهم, ولا أوطانهم. فإلى أين..؟ وهل تشكلّت المدرجات لننزلق عليها إلى القاع, أم نصعد بواسطتها إلى ذرا المعرفة والإبداع. ومتى يتحول أساتذة الجامعة إلى رواد نهضة ثانية وليس إلى فريق من الموتى الأحياء. |
|