|
علوم وبيئة
والساعات التي نحملها هي التي تحدد لنا مساراتنا، توجهاتنا، أهدافنا اليومية رغم أن بعض الناس يتمتعون بقدرة غريزية لمعرفة الزمن، دون حاجة لساعات، وذلك بالانتباه لموقع الشمس أو القمر أو حركة الضوء.. وكلما تقدمنا في العمر أصبح الزمن أكثر أهمية، ربما لإحساس الإنسان بدنو أجله، لذلك يترقب النهاية ويهتم بالزمن لأجلها، فهي عنوان حياته العريض.. أما عن امتداد الوعي خلال الزمان من الحاضر إلى الماضي والمستقبل.. ففي سن الثانية من المحتمل أن يكون للطفل ذكريات تمتد إلى شهر في الماضي، ولكنه لايبدأ في توقع أكثر من يوم واحد أمامه.. وماإن يمتد اهتمامه بالماضي إلى حوادث فيما وراء مولده، حتى يبدأ في رؤية نماذج الزمان، ويستخدم هذه النماذج في توقع المستقبل.. وعندما يبلغ الرابعة من عمره يتعرف على الفصول، وفي الخامسة يكون أكثر تحديداً ويفكّر في أيام معينة، كيوم مولده، أو مناسبات الأعياد، والعطل الرسمية.. أكدّت الأبحاث العلمية، أن على الإنسان أن يأخذ قسطاً كافياً من النوم، لأن النوم المريح يساعد الدماغ على تسجيل ذكريات اليوم بدقة.. والدراسات العلمية في هذا الإطار قد تشكل في المستقبل جزءاً من علاجات لأمراض عقلية تنعكس على الذكريات.. حيث يتدخل التنويم المغناطيسي في نبش ذكريات معينة، مسببة حالة الفصام، أو الذهال، أو الاكتئاب التي يمكن أن تسيطر على المريض النفسي.. وقد قدمت إحدى الدراسات أدلة إضافية على أن كثيرين من الأطفال الصغار الذي يعانون من اضطراب فرط النشاط ونقص الانتباه (وهو أمر يتطلب علاجاً نفسياً) إنما هم ببساطة يعانون من النعاس.. لاشك أن الخوف هو انفعال سلبي، يوجد لدى الإنسان والحيوان، ويميل الإنسان عادة إلى الخوف من المجهول والغريب والخفي وغير المتوقع.. والخوف من الموت هو أمر طبيعي، فللموت جوانب كثيرة غامضة ومجهولة وغير متوقعة.. وهو خبرة جديدة غير مسبوقة، ومن أجل ذلك يخاف الإنسان من الموت.. وإذا كان الألم من أهم مرافقات المرض، والمرض يفضي أحياناً إلى الموت.. ولكن الموت بشكل عام يحدث في معظم الحالات نتيجة لمرض.. وثلاثية الألم – المرض – الموت، ترتبط مع بعضها بشكل قوي إلا أنه غير مريح وغير محبب.. لذلك من الطبيعي أن يشعر الإنسان بقلق، وهو يرى مستقبله يتلاشى شيئاً فشيئاً وهو يكبر في السن.. المسنّ يرتبط مع ماضيه أكثر مما يرتبط مع حاضره أو مستقبله.. فالماضي فيه مخزون من الذكريات لاينضب.. أما الحاضر فهو القلق من قلة العناية أو سوء المعاملة أو الإهمال.. والمستقبل هو المجهول الغامض المليء بالمرض والضعف وربما الموت.. الموت نتيجة حتمية عن المسن، ولكنه غالباً يخاف الوصول إليها رغم اقتناعه أنها قريبة منه كثيراً.. لذلك فقلق الموت قد يعجّل به أحياناً.. ويشغل الزمن منذ نشأة الإنسان على الأرض، اهتماماً كبيراً من بحوثه ودراساته ومحاولة ترويضه، رغم أنه يعلم أن هذا الترويض يبدو مستحيلاً، أمام ضآلة عمره القصير، بالنسبة لعمر التغيرات على كوكبه.. تعرّف الإنسان على قياس الزمن بالتدريج، الدورات القمرية، مواسم السنة الزراعية، تعاقب الفصول.. وحدّد فترات معينة لهذه التغيرات، ثم حدّد الأزمان المختلفة تبعاً لتعاقب الأجيال ووقوع الكوارث الخطيرة مثل انتشار الأوبئة، حدوث زلازل مدمّرة، أو حدوث ظواهر غير متكررة كثيرة مثل كسوف الشمس وزيارة مذنب لسماء الأرض.. والزمن كان هاجس الإنسان، يحاول استثماره أحياناً لفائدته الخاصة، بتكبير ثروته ونفوذه وجاهه، واستنفار جيش من الخدم والحشم لخدمته خلال حياته.. ورغم أنه يعلم أنه مهما كان ثرياً، متنفذاً فستصل إليه الشيخوخة وسيطعن في السن، إذا سلم من الأمراض، وسيموت مثل أي كائن له عمر مجدد، يموت بعدها.. |
|