|
فضاءات ثقافية «مرحبا أيتها الآنسات اليابانيات» أو «دليل المسافر إلى أميركا» أو «عشر طرق لإمتاع الرجل»، ويخبّئن بين الضلوع أسراراً لا يبحن بها لأحد، ورغائب ومخاوف. رغائب أنثوية بفرحة العمر، ومخاوف منح الجسد لرجل مجهول في بلد مجهول.
رحلة شاقة في قعر باخرة قديمة تمخر عباب المحيط الهادئ باتجاه كاليفورنيا، تنجلي حين أرست مراسيها عن واقع مرّ يرديهنّ إلى درك وضيع، حيث يكتشفن أن الواقع غير ما حملته الرسائل، وأن الصور المرسلة قديمة يرجع عهدها إلى عشرين عاماً، وأن الأزواج الموعودين عمال بسطاء في مزارع القطن والخضروات، لم يروموا الاقتران بهن إلا للتنفيس عن رغبة طال بها الكبت في المهاجر الأميركية، أو للإنجاب، أو لمدّ يد المساعدة في أعمال الزراعة وجني المحاصيل والأعمال المنزلية، أو لكل ذلك في الوقت نفسه. وسرعان ما يكتشفن أن الأزواج جاؤوا بهن لتوفير عمالة مجانية في المزارع المنتشرة في أرياف سكرامنتو وسان واكيم وواطسنفيل وفريسنو ودينير وسائر رباض المدن القريبة من سان فرنسيسكو، يعملن طوال النهار بغير انقطاع، ويبتن في العراء أو في أكواخ وضيعة خارج العمران، ويتنقلن من ربع إلى ربع كالناجعة، ويعاملن كما يعامل السود في مزارع القطن في فرجينيا وأركنساس ولويزيانا وسواها، لا حق لهن أحياناً «وكذا أزواجهن» في الحِلّ بهذا الموضع أو ذاك، لأن البيض يحرمونه عليهم جميعاً: «عليكم بمغاردة هذا المكان قبل غروب الشمس.» ثم تتشعب بهن المسالك، فتفلح منهن القليلات ليدخلن بيوت البيض خادمات ومربيات أطفال، أو يمارسن أعمالاً هامشية مدينية كالغسل والكي وخدمات الفنادق والمطاعم والخمارات التي تملكها الجالية اليابانية. وتهوي في الرذيلة من تفقد الحامي بعد حادث أو وفاة أو طلاق، وينجبن بنيناً وبنات يتشبهون بسكان البلد المضيّف، وينكرون تراث بلادهم وتاريخها وحضارتها، «كنت مثل بطة حضنت بيض إوزّ» وينهضون لبناء حياتهم الخاصة، بنجاحات متفاوتة، ويكتشفون بدورهم التمييز العنصري، حيث يمنع عليهم دخول المطاعم أو قاعات السينما والمسابح: «أيام الاثنين، المسبح مخصص للملونين» وحتى قاعات الحلاقة بدعوى أن شعر اليابانيين واليابانيات عصيّ على القصّ والتصفيف. ثم تنفتح أبواب الجحيم على مصراعيها يوم دكّ الطيران الياباني قاعدة بيرل هابر عام 1941، وعقبه إشهار أميركا الحرب على إمبراطورية الشمس المشرقة، فإذا بالجالية اليابانية كلها طابور خامس، يشار إليها بالظنون والريبة، وتروج أخبار عن تصفيات جسدية تحسباً من عدو داخلي، أو انتقاماً ممن غدروا بهم، وبرغم محاولاتها درء التهمة بإتلاف كل ما يشير إلى صلتها بالوطن الأصليّ، تجبر على ارتداء أزياء مميزة يتصدرها رقم تسجيل، وتعامل كما يعامل الخونة أثناء الحروب، فتعزل في مخيمات قبل إبعادها إلى أماكن لا يستقر حولها رأي. هذه الأوديسة هي حلقة منسية من تاريخ اليابان الحديث، أعادتها إلى الذاكرة جولي أوتسوكا، وهي كاتبة أميركية من أصل ياباني، عرفها القراء من خلال رواية أولى بعنوان «حين كان الإمبراطور إلهًا» استقبلها النقاد بحفاوة بالغة، تستمد أحداثها من تجربة جدها المهاجر الذي بقي ثلاث سنوات رهن الاعتقال بتهمة الخيانة، بعد العدوان الياباني على بيرل هاربر. ورواية «بوذا في البيت السفلي», «في الأصل الأميركي, «أو «بعضهن لم ير البحر قطّ», في ترجمتها الفرنسية التي اعتمدناها في هذه القراءة، هي روايتها الثانية وقد استحسنها النقد هي أيضاً وحازت جائزة فوكنر للرواية. |
|