|
شؤون سياسية بهذا الاستهلال نشرت “الثورة” 17/10/2012 مقالة بعنوان: “دراسة أمريكية: الاستعداد لشرق أوسط ما بعد اسرائيل”. تشوب هذا الاستهلال ثغرتان: الحديث عن “مفاجأة سياسية تاريخية مدوية”, لا أثر له في الإعلام الأمريكي. ولم يحضر في مناظرتي مرشحي الرئاسة. ما يسمى “أحد أهم مراكز الدراسات والبحوث التابعة لمجمع دوائر الاستخبارات الأمريكية”, غير موجود. فما قصة هذه “الدراسة البحثية الميدانية” المحكي عنها؟ في 10/9/2012, نشرت صحيفة “تشرين” تقريرا منقولا عن موقع “أرض بلا عنف” الفرنسي: عنوان التقرير: الولايات المتحدة الأمريكية تخطط لشرق أوسط جديد بلا “اسرائيل”. “تشرين” نأت بنفسها عن مضمون التقرير. نشرته بتحفظ نصه: “صدق أو لا تصدق”. ثم سردت قصته, وهي أن صحفيا في “واشنطن تايمز” الأمريكية, غير محدد الهوية, سرّب التقرير إلى موقع “أرض بلا عنف” الفرنسي, فنشره. أما بعد أن ترجمت “تشرين” التقرير اللقيط بتحفظ, نظرا للمغالطة في ما ذهب إليه, فقد تلقف كاتبان في “الثورة” التقرير في 16/9 و17/10, ليبنيا عليه. تخطى الكاتبان المهنية في تدقيق مادتهما موضوع البحث. وراحا يبشران بشرخ بين أمريكا و”اسرائيلها”, في محصلة قراءة تعاين “تعارضا” بين مصالح هذين الكتفين في الجسم الإمبريالي الواحد. وذلك بالاستناد إلى فلسفة التضليل في هذا التقرير اللقيط. تتكون هذه الفلسفة من بناء نظري معتمد لدى المرتهنين العرب للإرادة الإمبريالية. وقد قادت مملكة السعوديين المتسعودين العرب, طيلة ما بعد 1948, في طريق جواز الفصل بين الكتف الأمريكي والكتف الاسرائيلي في الجسم الإمبريالي-الصهيوني الواحد, وبما يسمح للمتسعودين العرب بالانقياد لإرادة واشنطن, حتى وهي تدجج “اسرائيلها” بما تتفوق به على العرب مجتمعين. ومن دون أن يفقد السعوديون في مملكتهم ورقة التوت في الانتماء إلى جامعة الدول العربية وإلى النظام السياسي العربي الحاضن للعمل العربي المشترك. أجازت فلسفة الفصل بين أمريكا و”اسرائيلها” على هذا النحو, للمتسعودين العرب امداد أمريكا بأسباب القوة من نفط وودائعه, التي تجد طريقها إلى إمداد “اسرائيل” بأسباب فاعلية ماكينتها العدوانية. وفي وسع المراقب أن يعاين ملخص سياسة مملكة السعوديين حيال قضية فلسطين, في المقولة المتأبلسة: “نقبل بما يقبل به الفلسطينيون”, التي تعني الاستقالة من المسؤولية القومية العربية المشتركة حيال قضية العرب المركزية, بمسخها في سياسة رهط من الفلسطينيين, “ألقي في اليم مكتوفا مع التحذير من البلل”(!!!). ولذلك فإن الشبهة في أن يكون تسريب التقرير اللقيط, عن تباينات امريكية-اسرائيلية, تصل إلى حد مراجعة أمريكية, تنعقد لمهندسي فلسفة الارتهان المتسعود لأمريكا. أحد علائم هذه الفلسفة, الاستدراج إلى الغرق في لجة التفاصيل الطارئة, كانتخابات الرئاسة الأمريكية, وكالانتخابات في الكيان الصهيوني. وبما يكرس العمى عن رؤية الغابة بشجرة تحجبها. اذ إن الغرق في هذه التفاصيل كان على الدوام سمة التضليل في فلسفة المتسعودين العرب, لصرف الرأي العام العربي عن الطبيعة العدوانية المشتركة للجسم الإمبريالي-الصهيوني الواحد. ينسج التقرير اللقيط أنشوطة من التباينات داخل الكيان الصهيوني, بين الليكوديين و”العلمانيين”, ليبني عليها تباينات بين أمريكا و”اسرائيلها”. الأنشوطة, بما هي غرق في لجة التفاصيل, منسوجة من تقويل التقرير اللقيط بـ”صراع” بين الليكوديين و”العلمانيين”. ودعا منظمو التقرير الحكومة الأمريكية إلى النأي عن الوقوف إلى جانب الليكوديين في هذا “الصراع الحتمي الدائم”. أي صراع حتمي هذا القادم بين الليكوديين و”العلمانيين”؟!. هذا احتيال فظ على الذاكرة القومية العربية, بدعوة العرب إلى أن يركنوا للخدر الذي تشيعه حكاية “الصراع الحتمي القادم بين الليكوديين والعلمانيين”. ثم بين واشنطن و”اسرائيلها” ... الخ. من قال أن بين الصهاينة علمانيين؟! ليس في “اسرائيل” علمانيون ولا يسار. لأن “الأمة التي تستعبد سواها, ليست أمة حرة”, كما قال ماركس. اليقين بأن مملكة السعوديين, هي الحلقة المفقودة في تسريب هذا التقرير اللقيط, تعزز بإقدام صحيفة “عكاظ” السعودية في 18/10 على نشر مقالة ترويجية لمغالطات التقرير, واستهدافاته المفخخة, تحدثت فيه عن أن كيسنجر هو من استخدم مقولة “عالم بلا اسرائيل”! أما متى استخدم كيسنجر هذه المقولة؟ وفي أي سياق؟ فإن هذا مما لا يعني رعاة الإبل في تخوم الربع الخالي الذين صاروا أمراء مثل بندر بن سلطان. لن يكون التقرير آخر ما في جعبة مقاولي الباطن في مشروع “الفوضى الخلاقة”, الذي آلت مقاليده إلى مهندسي “ربيع” التحالف الإمبريالي-الإسلاموي. اذ إن مقاولي الباطن هؤلاء يجدون ما يكفي من الشجاعة لرشق الرأي العام العربي بقنابل موقوتة كهذا التقرير, يكون أول ضحاياها من النخب العربية المتأهبة لـ”الغرق في شبر ميّه”, حسب اللهجة المصرية, ويحول افتقارهم إلى القراءة النقدية دون “مقاطعة المعلومات” في المبنى السياسي الحامل لهذه القنابل. ثمة تعارضات بين مكونات النظام الإمبريالي العالمي. وجود الكولونيل جوناثان بولارد؛ الجاسوس الاسرائيلي السجين في أمريكا منذ 1985, وإلى مدى الحياة, شاهد على هذا التعارض, وشاهد على سريان قانون “وحدة وصراع الأضداد”, الذي يفسر سير قطعان الذئاب الإمبريالية متراصفة, وليس متراتلة, حين تتجه للعدوان على الشعوب. هي تتراصف مخافة أن يغدر اللاحق بالسابق في الرتل, على نحو ما تفعل الذئاب تماما. ولذلك فإن الأولوية في عمل 16 وكالة استخبارات أمريكية, ومن تستأجر من العرب: دولا ونخبا وأمراء, إنما تعطى لتقصي مخرجات التمرد على الجري في الملعب الأمريكي, وإكراه العرب قاطبة على اللهاث وراء “الجزرة” النائية في طرف العصا, حتى بفبركات, من نوع التقرير اللقيط أعلاه, الذي يشيع اوهاما, كالوهم في أن يسفر “ربيع” التحالف الإمبريالي-الإسلاموي, عن صحوة أمريكية, تختار فيها واشنطن الانتقال من الخندق الصهيوني, إلى خندق العرب والمسلمين!. |
|