|
الثلاثاء 23-10-2012 موقعة ضحايا كثراً من الطرفين ومكبدة إياهما خسائر لا تعوض.. مرات كثيرة قدمت الدراما السينمائية والتلفزيونية العربية هذه الحكاية بتفاصيل مختلفة، وفي كل مرة كانت قادرة على إقناع المشاهدين بها لسبب أساسي هو أن في الواقع ما يشابهها، فرغم كل التطورات التي شهدتها المجتمعات العربية، (مع كل التباينات بمستويات التطور فيها) فإن التعصب الفئوي يجمع بين أكثر المجتمعات العربية تطوراً، وأكثرها تخلفاً، لا يغير في هذا الواقع كثيراً معدل دخل الفرد، ولا مستويات التعليم، وحتى الثقافة..ومواقف كثير من المثقفين –المعلنة والمسترة- في الأزمات الوطنية (خاصة) تقدم دليلاً حاسماً على هذا.. إن هذا التشابه بين الواقع والصورة الدرامية السينمائية والتلفزيونية، واستمراره، بل ونموه، بعد عدة عقود من طرح المشكلة على الشاشتين البيضاء والفضية، يكاد ينفي وجود أي دور في التوعية الاجتماعية تقوم به الدراما باعتبارها أكثر أشكال الفنون تأثيراً بالجمهور، ناهيك، بطبيعة الحال، عن دور القصة والرواية والقصيدة والدراسات الاجتماعية وسواها من الأعمال المقروءة التي لا يهتم بها إلا النذر اليسير القليل من الجمهور العربي..ويكرس هذا الحال تغييب العقل ونمو الغرائز كما شهدنا في حالات يصعب حصر عددها، كما نشهد اليوم على الساحة اللبنانية..وإذا ما توخينا الدقة علينا القول ما تشهده هذه الساحة من وقائع تكاد تكون متطابقة منذ أكثر من مئة سنة.. لقد انطلقت الحرب الأهلية اللبنانية الماضية أواسط سبعينيات القرن الماضي تحت شعارات متعددة، ومتناقضة، وعلى خلفية حساسيات طائفية ومذهبية تاريخية لم تستطع الحركات الوطنية والقومية والتقدمية الحد منها، وقد حرص أمراء الحرب من زعماء الميليشيات الطائفية بادئ ذي بدء على تصفية المعتدلين والعقلاء، كلٌ في جبهته مطلقين المجال للمشاعر العدائية المتطرفة المستندة للتعصب الأعمى للجماعة، وقد انتهت الحرب بعد سنوات دموية طويلة بفضل (تدخل الآخرين على أرض لبنان) لكنها استمرت في النفوس خاصة بعد أن كرست واقعاً ديموغرافياً أشد خطورة..وكما في الدراما فإنه حين يقتل العمدة، أو شيخ العشيرة، فإن المتهم جاهز سلفاً، وهذا يستلحق رد فعل سريعاً أعمى وأحمق يقوده ابن المغدور، ويتطلب لأجله تأجيج المشاعر التعصبية العمياء والحمقاء..فعندما اغتيل الحريري الأب، في الواقع، وجه أمراء الحرب وحلفاؤهم الاتهام فوراً نحو متهم مقرر مسبقاً، وقادوا جمهورهم المشحون طائفياً ومذهبياً وعنصرياً في هذا الاتجاه رافضين أي اتهام لأي آخر بما في ذلك العدو التاريخي للبنان ما دفع زعيم وطني للقول إن نفي التهمة عن إسرائيل هو إهانة لرفيق الحريري..واليوم يتكرر الأمر ذاته، بالحيثيات ذاتها، مع اغتيال وسام الحسن وهو الذي أطنب الإعلام المناصر له في الحديث عن قيامه بتفكيك عشرات شبكات التجسس الإسرائيلية.. ما يجعله هدفاً طبيعياً للعدو الصهيوني، فيما لو تم الاحتكام إلى العقل لا إلى العصبيات التي عُمل على تنميتها خلال عقود كثيرة، عبر وسائل الإعلام وسواها لأجل ضمان رد فعل بذاته في اتجاه محدد أصلاً..كما في الدراما..كما في الواقع.. |
|