تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الذكرى الثالثة والستون لتأسيس البعث ..بين المواكبة وجدل التطور

شؤون سياسية
الخميس 8-4-2010م
بقلم الدكتور فايز عز الدين

حين يكون الحزب في كل المفاهيم النظرية والفلسفية يبدأ من الفكرة، ويمثلها لاحقاً على صورة مشروع قومي وطني أو اجتماعي اقتصادي ليصبح درب الخلاص العام للطبقة أو الفئة أو الأمة بمجموع شعبها،

فإنه مرتبط دوماً بجدل الحركة الاجتماعية وبمقدار النمو الإنساني الحاصل، ومايستثير هذا النمو من أسئلة الوجود الجديد، وكذلك مايحتاجه من إجابات جديدة حول المستقبل المستهدف، وموضوع الحلم الشعبي العام الذي تبناه الحزب وحدد مهمات الوصول إليه وشرع يضع الاستراتيجيات المناسبة لربطه بنضال يحقق الوقائع الجديدة، والتحولات المرسومة من أجله.‏

والجدير بكل حزب هو أن يبقى- بحركته الاجتماعية التي يعمل معها- يمثل العقل المواكب، والطاقة المتجددة، والتقدم المطلوب وفي جدل الحزب والجماهير يبلور الحزب هذه العلاقة الدينامية، حيث إنه يمثل عقلها المتحفز، ووعيها الناهض وآفاقها المتطلعة إلى مشروعها في الوطن والحياة، والتاريخ وفي كل هذا يصل إلى ذروة الوعي السياسي وفاعل الذات الممسك بعوامل التاريخ المتحول بهدف، وإرادة نحو ماتقرر لدى الحزب من مبادئ ثم تتحول الجماهير -عبر نضال الحزب معها- إلى قوة الحراك التاريخي حين تنتقل من موضوع التاريخ إلى أداته- والصانع الأكثر أهمية فيه.‏

ولعل هذه المعادلة هي التي تعطي المؤشرات الموضوعية حول مستقبل الحزب والجماهير والوطن حين يحققون العملية الفكرية، والسياسية الواحدة ذات النتائج المعكوسة في مراحل الانتقال واقعاً جديداً، ووقائع جديدة، وقيماً للتقدم الحاصل نحو إنسانية جديدة، وعالم مستحدث وأهم ماكان البعث قد حققه في هذا المجال- في ظل القائد الخالد، ويحققه الآن في ظل قيادة السيد الرئيس بشار الأسد- هو الوحدة المتفاعلة بين : الحزب، والدولة، والمجتمع.‏

وفي كل فهم عقلي، وفلسفي للحزب ونتاجه التاريخي يُنظر دوماً إلى قوته الذاتية كفاعل ذات في التاريخ، ثم يُنظر إلى قوة الدولة والمجتمع كيف تمت إعادة تأسيسهما وأين وصلت هذه المسألة؟.‏

وحين يمسك الحزب بمفهوم الكلية الاجتماعية التاريخية تتحرك نظريته السياسية أو إيديولوجيته عموماً نحو العصر بروح الحاضر، والمستقبل ويتعرف بعقلانيته على شبكة العلاقات الناظمة للحياة الوطنية أو القومية أو الإقليمية أو الدولية ليتعرف على الخيارات الأنسب فيها ويستنسب المعرفة اللازمة لها، وقد كان البعث قد وصّف إيديولوجيته أنها ذات سمتين: علمية وثورية حتى تقوم نظريته الوحدوية والتحررية على انطباقات متعددة مع النزوع الجماهيري العربي نحو الخروج من الاستثناء التاريخي للعرب بالتجزئة والعودة إلى الوضع الطبيعي بدولة الأمة الواحدة، وها هو الواقع العربي السوري الذي يعمل البعث فيه منذ العام 1963 إلى اليوم ينعم بالوحدة الوطنية التي هي الأساس في استقرار النظام السياسي وأمنه، كما ينعم بالتطورات الاقتصادية، والاجتماعية والثقافية، والتربوية، والحقوقية بما يشير إلى صورة سورية الحديثة الجادة في إنجاز كافة استهدافات المنهج التطويري والتحديثي فيها حتى تكون النموذج العربي في صناعة الدولة الوطنية بآفاق الأمة العربية الواحدة، وحلمها في دولة الوحدة الكاملة لها.‏

ومن الواضح أن سورية- في ظلال ثورة البعث- تسعى من أجل الثورة العلمية المنتجة للمعرفة، والثورة الثقافية الموصلة إلى قيم الوطن والمواطنة الصحيحة، والثورة الأخلاقية والديمقراطية وصولاً إلى إنسان المجتمع المعاصر الذي يحمل المثل العليا.‏

ومنذ أن حدد الحزب أهدافه ليرتبها: وحدة، حرية، اشتراكية انطلق بهذا من وحدة الضمير القومي للجماهير العربية إلى زحف من كل الأقطار كي تساهم في ثورة أي قطر ضد استعماره، وعلى سبيل المثال من أتى بالمجاهد عبد القادر الجزائري إلى دمشق؟.‏

ومن أرسل سليمان الحلبي كي يقتل كليبر في مصر؟! ومن ألزم السوريين لكي يناصروا ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق ضد الإنكليز 1941؟ نعم إنه الضمير القومي الواحد الموحد الذي يزيل جميع الحدود المصطنعة حين يكون صاحياً يقظاً.‏

وعلى هذا الأساس فإن الدولة السياسية التي أسسها البعث- في سورية-القائد الخالد ويواصل حكمة السياسة فيها السيد الرئيس بشار الأسد، تقدم نموذجها دوماً للنظام الرسمي العربي وللنظام الإقليمي العربي بأنها لن تعمل بآفاق قطرية ولن تترك تمسكها بالمصلحة القومية العليا للأمة العربية ولن تتنازل عن أي حق مغتصب للعرب والعروبة ولن تترك المقاومة المحققة لكل نصر وتحرير.. كل ذلك من خلال العقلانية السياسية، والمبدئية القومية، والمنهجية الحوارية لكون الحوار المسلح بالمعرفة العميقة لتواريخ القضايا وعدالتها هو السلاح المهم في عصر اليوم حتى تتمكن الدولة من أن تزيل غسل الأدمغة الذي حرصت الصهيونية على فعله عبر الإعلام الامبريالي المسيطرة عليه.‏

وفي ذكرى ميلاد البعث يشهد البعث حراكه الفكري التجديدي الذي تصبح معه رؤى الحزب مواكبة لمجمل معطيات عصرالعولمة وخصوصيته مع الحفاظ على الشخصية الثقافية للأمة وهويتها القومية والإنسانية ومع هذه الرؤى منهج فكري يتسع للجميع من منظور مايؤكد عليه اليوم كثيراً قائد مسيرة الحزب والشعب، وهو أن الكل في الوطن الواحد من مسؤوليتهم البحث عن فكر يجمعهم وسياسة توحدهم ودولة توفر لهم الحياة الحرة الكريمة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية