تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حين تصبح أميركا مشكلة العالم!!

موقع : cantre info
ترجمة
الخميس 8-4-2010م
ترجمة: حسن حسن

يشهد تاريخ العالم المكتوب منذ أيام السومريين والآشوريين وحتى الامبراطورية الأميركية وما بعدها أن العالم عرف صعود وأفول امبراطوريات عديدة وهذا ما جعل بعض المنظرين يعتبرون أن تاريخ العالم هو تاريخ الإمبراطوريات.

في أيامنا هذه يحتدم النقاش حول الامبراطورية الأميركية التي تمخضت عن النظام الدولي وذلك في محاولة دراستها وتحليل عوامل صعود النظام الأميركي ثم استجلاء مصائره.‏

ننطلق في المقالة التالية بعنوان «أميركا إمبراطورية هشة» من الكيفية التي وصلت إليها الولايات المتحدة حيث إننا اعتدنا في الماضي أن نرى في الولايات المتحدة حلاً للمشكلات، في حين أنها أضحت اليوم مشكلة العالم إذ باتت تشكل عامل فوضى على المستوى الدولي عن طريق إثارة النزاعات والشكوك حيثما تستطيع وخاضت أكثر من خمس عشرة حرباً في بقاع مختلفة من العالم وهي حروب لم تفض إلا إلى المزيد من الصراع فأحرجت حلفاءها أكثر من مرة الأمر الذي دفع أكثرية حلفائها الأوروبيين إلى اتخاذ مواقف مستقلة عنها بل ومناهضة لحروبها وخصوصاً حربيها الأخيرتين في العراق وأفغانستان.‏

لكن الجديد في المقاربة التي أوردها هنا هو استناده إلى معطيات منهج اجتماعي يخضع فيه البحث للمعطيات الأثروبولوجية والديمغرافية والاقتصادية للبلد المدروس فيجري وفقه ربطاً لمفاعيل السياسة الدولية والعلاقات الدولية ولا شك أن عملي كمدرس في جامعة هارفارد واختصاصي في مجال الاقتصاد والمال ساعدني في الدراسة العميقة الظاهرة صعود الامبراطورية الأميركية ثم تحولها إلى التفكك والانحلال.‏

سقوط الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي فتح شهية الولايات المتحدة على جشع سياسي امبراطوري بلا حدود، فكانت نظرية القطب الواحد وولادة عالم جديد وكانت نظريات نهاية التاريخ وانتصار الرأسمالية وكان الخوف من الذي عبّر عنه هنتنغتون من صراع حضارات يهدد الحضارة الغربية، وكانت حرب جورج بوش التي أراد من خلالها فرض «ديمقراطيات» تساعد على المزيد من الهيمنة الأميركية.‏

لقد استطاعت الولايات المتحدة أن تختبئ خلف أحداث الحادي عشر من أيلول لكي تعلن أن حربها العالمية تهدف إلى القضاء على الإرهاب، ثم جملت حربها بشعارات نشر الديمقراطية إلا أن الحقائق الموثقة وما كشف من أسرار عن الإعداد المسبق للحرب على العراق وأهداف السيطرة على الطاقة في العالم وإخافة دول الجوار لاستسلامها أو إسقاطها كل ذلك يدل على أن الولايات المتحدة كانت تخفي أهدافاً أخرى حقيقية لهذه الحروب تتجاوز ما أعلنته.‏

فالولايات المتحدة كانت تدرك أكثر من غيرها مواطن ضعفها الاقتصادي والأمني، وكانت قد وصلت إلى النتيجة الكلاسيكية، أي شن الحرب من أجل إنقاذ الاقتصاد والسيطرة على مقدرات الدول الممانعة لفكر الهيمنة تمهيداً لفرض السيطرة الكاملة ومحاصرة الدول الصاعدة ولتؤمن الأسواق المالية والمواد الأولية وطرق المواصلات بما يخدم أهدافها، وكانت في سباق مع الزمن لأنها تدرك أكثر من غيرها مواطن ضعفها فهي دخلت حلقة الاستقراض وتراجع القدرة التنافسية بسبب ارتفاع الكلفة وتراجع الصناعة عماد الاقتصاد لمصلحة الخدمات وتراجع قيمة العملة بسبب الاستقراض.‏

الحرب التي يتحدث عنها البعض كهروب إلى الأمام من أجل حل المشكلة الاقتصادية وقعت فعلاً في العراق وأصبحت وراءنا.‏

اليوم جاءت النتائج عكس ما كانت تشتهي الولايات المتحدة، فلا نفط العراق دخل ضمن خانة الممتلكات للشركات الأميركية، ولا الجيش الأميركي أثبت قدرة حقيقية على فرض النفوذ، ولا الأعباء المترتبة على هذه المغامرات أتت بالثمار المتوخاة بل جاءت بمزيد من الأعباء.‏

اليوم الولايات المتحدة أمام حقيقة هزيمتها العسكرية في العراق وهزيمتها مع الناتو في أفغانستان مع انهيار نظامها المالي والنقدي الذي تبعه ركود اقتصادي يؤثر على قدرتها الإنتاجية والإنفاقية وبالتالي هي بحاجة إلى المزيد من القروض، وبحاجة لسحب قواتها المقاتلة وحتى المتمركزة في العالم لتخفيف الأعباء، وبحاجة إلى سلم أهلي داخلي سيكلفها أعباء جديدة لأنه لا أزمات اقتصادية حادة كما نشاهد اليوم دون أزمات اجتماعية وطبقية وعرقية.‏

وهذه التحولات لن تكون نتائجها محدودة كما أعلن البعض بتراجع الدور الامبراطوري للولايات المتحدة فحسب بل إن مستقبل الولايات نفسها على المحك اليوم.‏

فقد أعلن أكثر من مسؤول أوروبي وغير أوروبي أنه لا يجوز بعد اليوم ترك قيادة الاقتصاد العالمي بيد الولايات المتحدة، هذا يعني نهاية الامبراطورية الحالية. الشراكة الصينية الأميركية في تعيين حياة أو موت الاقتصاد الأميركي تعني نهاية استقلال القرار الأميركي على المدى القصير لا المتوسط أو البعيد.‏

بريطانيا العظمى هيمنت بجيوشها فأمنت ثروة وسيطرة على ثلث العالم، انتصرت عسكرياً ولكنها فقدت ثروتها نتيجة الحروب المنهكة فتراجعت وأصبحت تعيش في ظل الولايات المتحدة، المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفييتي هيمن بالجيش الأحمر ولم ينجح في اقتصاده وما إن هزم الجيش الأحمر حتى اختفى المعسكر الاشتراكي عن خارطة العالم وتقسم الاتحاد السوفييتي إلى دول عدة.‏

اليوم الولايات المتحدة تخسر الحرب والنفوذ الاقتصادي معاً وبسرعة قياسية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية