تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حاجتنا إلى الأخلاق في ساحة الأدب

ثقافة
الخميس 8-4-2010م
عبد الكريم الناعم

أرجو ألا يكون العنوان منفراً، بالنسبة للبعض، لمجرد أن فيه ذكراً لـ (الأخلاق)، لأن ورود ذكر هذه المفردة، ربما يثير غيظهم وغضبهم، فهي مفردة تحسب على مسالك (تقليدية)!!

وكل ما هو تقليدي في أعراف أولئك، هو ضد الابداع الذي هو نزوع دائم لارتياد ما لم يرتد، وذهاب إلى الأراضي البكر التي لم تعرف حراثة أحد من قبل، واضافة جهة جديدة إلى الجهات الأدبية التي عرفت حتى الآن. ويمكن للإنسان أن ينشئ عشرات الجمل الوصفية للآفاق المنشودة في هذا السياق، وليس هذا غرضنا، حين نذكر الأخلاق، في المستويات الأدبية، فمن المتوقع أن تذهب بنا الأفكار باتجاهين:‏

الأول: أن يكون الابداع الأدبي ينطوي على قيمة، أو قيم أخلاقية‏

الثاني: أن يكون الأديب في سلوكه من الذين يحترمون القيم الأخلاقية، وأنا هنا في هذه الفسحة سأذهب باتجاه أن يحمل الأديب قيمة جوهرية أخلاقية.‏

انطلقنا من هذه المحطة لنرى إلى أين سوف تقودنا السكك التي يتفرع عنها، وحين نتعامل مع هذا المقطع الأخلاقي فإنه يحيلنا إلى زمن قصير منته، وتنتهي فيه حياة هذا الأديب أو ذاك، أي أننا ذهبنا إلى خيار شديد القصر، فمن يختار مثل هذا، مع ما للإبداع من ديمومة، وعمر أطول، بحكم أنها حياة جنس مستمر، حين يكون إبداعاً؟‏

بمعنى أن هذا الإنسان الزائل المتأكد من أن موته آت، يبدع، أو يصنع ما قد يعيش أضعاف أضعاف عمره، وهذا عبر فهم ما للحياة يثير الكثير من الأسى، فقطعة ورق رسم عليها رسام صورة ستعمر أكثر منه والآثار الأدبية بين أيدينا وتشدنا إليها قادرة على أن تمنحنا المتعة والفائدة بينما أصحابها مضوا منذ أزمنة بعيدة، هذا شيء مؤلم على الرغم من قولنا إن هذا الأثر الابداعي قد خلد صاحبه فأي خلود هذا لا نصيب فيه غير أن يذكر اسمه، هذا إذا كان محظوظاً؟‏

يذهب المبدع والذي خلد في إبداعه هو القيمة الفنية الإبداعية التعبيرية ولقد بالغ البعض من النقاد في الاعتماد على الأثر الأدبي، لا على المبدع لدرجة (تمويت) المؤلف، وربما كان صاحب هذا الرأي محقاً، في بعض الجوانب لا في كلها، المبدع يموت والذي أبدعه يظل حياً، تلك مسألة غير مطمئنة وتتعارض مع الفهم العام للناس عن (الإبداع الأول)، الذي هو الخلق الإلهي، أو العقل الفعال،على لغة بعض الفلاسفة والمتصوفين، فالمبدع الذي هو (الله) مبدع، أبدي سرمدي، وإبداعه يدل عليه.‏

الإنسان المبدع مبدع آني، وإبداعه يدل عليه، ويمكن أن يفتح لنا صفحات قد خبأها صاحبها في تلك الأغوار الداخلية البعيدة، فندرك مدى عمقه، ومقدار حساسيته، وحجم خياله، وفي مثال الإبداع الإلهي، من غير تشبيه، يستدل لدى الفلسفات الإلهية كلها بالصنعة على الصانع، ومن خلال الاستقراء رأى أصحاب هذا الاتجاه أن الذي أبدع كل هذا الجمال في الكون هو أجمل منه، وذلك الدرب الذي كان يقود سراً أوعلناً إلى تلك القلعة، يصر البعض على إغلاقه، في أرقى حالات فهمه وتفتحه.‏

ترى قياساً على هذه الرؤيا هل نستطيع طرح كم يتحقق من هذا التناسب بين جمال مايبدع الأديب، وما هو عليه من جمال؟.‏

لقد جرتنا حركة الموج قليلاً، فانحرفنا، ولم نبتعد، وها نحن نعود، ترى عن أي أخلاق شخصية نتحدث، وما الحاجة إليها؟.‏

الأخلاق المعنية هنا هي كل ماله علاقة بسلوك الأديب، في إطار مانطلق عليه أنه قيمة أخلاقية، وهي في الآن ذاته تتمظهر جمالياً، وحاجتنا أصبحت حاجة ماسة إليها، في تعامل الأدباء بين بعضهم، وهنا لابد من التذكير بالمخزون المعرفي الثقافي الهائل لأهل هذه البلاد، والذي يبدأ قبل عدد غير قليل من الآلاف قبل ولادة السيد المسيح (ع)، وهذا المخزون كله، هذا البناء الشامخ الطويل العريض بردهاته، وشرفاته بأقبيته وبسطوحه، بالمنظور منه وغير المنظور، بالمفهوم المباشر وبكل احتمالات التأويل.. كانت القيمة الأخلاقية هي أحد مواد البناء الرئيسة،وقبل أن أذهب إلى فضاءات المعاني الأخلاقية المقصودة، من الضروري التذكير بقيمة أخلاقية عظيمة الدلالة هي ذلك التوحد الرفيع بين القول والعمل، وبذلك يغدو المبدع (جذوة) إنسانية، وليس كائناً مرتحلاً، ويتحول من كائن عابر، كما تعبر كل الأحياء التي تتحرك معه على ظهر هذا الكوكب، إلىعنصر مشع مضيء.‏

ترى ما الذي نعنيه بالأخلاق؟‏

لن أذهب إلى المناطق التي يقع فيها الاختلاف، والأخذ والرد وسأختار مانتفق عليه جميعاً، من كان متألهاً، ومن كان له قول آخر، من كان مثالياً، ومن كان مادياً، من يرى فيما وصلت إليه أوروبا الطريق اللاحب، ومن يريد أن يفتح طريقاً آخر يرى فيه أنه الطريق الأقرب، لنقل إن (الأخلاق) هي ما ينفع الناس، بالإطلاق، على المستوى الفردي، وعلى مستويات المجتمع.‏

على ضوء هذا يمكن أن تجرى المراجعات والتقييمات، لا على ضوء ما أزعمه أنا وثلة من الناس، نحن جميعا فيها من أصحاب الرأي الواحد، أعتقد أن الذي ساعد على تمدد المتمددين، وعلى أن يتبنوا من المواقف التي تنفي الآخر، أو تلغيه، وتصل إلى حد إعدامه، .. هو غياب ذلك الجانب الأخلاقي الذي ذكرناه.‏

ثمة من وضع في موقع ثقافي، فصار يصول ويجول على هواه، ليس ثمة من يسأله ، أو يحاسبه فقدان الخطة، أو الاستراتيجية الثقافية، لأن الثقافة، في تقييم البعض، مقطع من مقاطع الحياة، مثلها حين يكرمها مثل الرياضة، أو الخدمات مثلاً، وليست المفاهيم والمبادئ، والسلوك المكون للشخصية الإنسانية في مسارها التربوي، والتوعوي، أتراني أذهب عن عمد إلى مناطق محروقة، مدمرة؟!!‏

إن من يدقق في التاريخ، وفي أسباب صعود بعض الدول، والإمبراطوريات سيجد أن ثمة عنصراً أخلاقياً كان وراء انهيارها، وهذا قول يتبناه كبار المؤرخين الحديثين، ولكي لا يضرب البعض في المساحات التي تصلح للاصطياد، ونصب الاشراك نعود فنذكر بأننا قلنا إن المبدأ هو ما ينفع الناس.‏

إن ما سبق يضعنا أمام مشكلة مباشرة، لها مثولها، وهي أن ثمة ( مبدعين) تركوا آثاراً إبداعية لا يختلف في قيمتها، وكان بعضهم، من الناحية الأخلاقية ممن يضرب بهم المثل في الرداءة.‏

هنا لابد من الفصل بين النص ومبدعه، والتعامل مع الإبداع من خلال تقييمه إبداعياً، وهذا الذي بقي، أو سوف يبقى بين أيدي الناس، والنصوص الإبداعية يغلب عليها أنها ترشح بالأخلاق والجمال معاً، بحكم تلك الوحدة العضوية القائمة بين الحق، والخير، والجمال، حتى في مساحاتها السوداء فإنها تدل على البيضاء، وبذا يكون الإنسان الناقد، أو المتلقي قد شطب السلوكيات الفردية التي تتنافى مع القيم الأخلاقية، فهو ينظف تلك الأرض مما علق بها.‏

ألسنا حين نقرأ نصوصاً أدبية مما يسمى الأدب المفضوح نبحث عن قيمة التصوير الجمالية، لأننا فيما عدا ذلك لن نتعرف على شيء لا نعرفه؟‏

ذلك جانب، أما الجانب الآخر فهو أن المبدعين الذين اختاروا سلوكيات فضائحية، غير عابئين بقيم مجتمعاتهم الأخلاقية، هؤلاء اختاروا أن يخرجوا على تلك الأعراف، وقبلوا أن يوصموا بما اختاروه هم، فكانت تلك الهوة بين القول والفعل.‏

بعض ماأردت التركيز عليه أن تكون العلاقات بين أدباء هذا الزمن قائمة على الإنصاف، وعلى تقديم ما يحمل قيمة إبداعية، وعلى (ما ينفع الناس)، لأن من يوقد شمعة الأدب تتوجه إليه أعين الناس تطالبه بأن يكون النموذج، وأن يحمل في حياته العملية، العلائقية، بصيص بعض ما أوقد.‏

al naem@gawab.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية