|
دراسات المشهد اليوم بات مفتوحاً على كل الاحتمالات وكل الخيارات بعد أن حطمت إدارة ترامب قواعد الاشتباك التي كان معمولاً بها والتي كانت بمثابة مانع انزلاق نحو المواجهة المباشرة، ليس بين إيران من جهة والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى، بل بين محورين ومعسكرين متناقضين ليس في الأهداف والمصالح والطموحات والاستراتيجيات فحسب بل في القيم والمبادئ أيضاً، المحور الأميركي وأدواته ومرتزقته، ومحور قوى المقاومة والدول الكبرى الداعمة له. المؤكد أن الكرة الآن في الملعب الإيراني لكن كابوس الخوف والهلع هو في السماء الأميركية والإسرائيلية، وطهران تمتلك مروحة من الخيارات الاستراتيجية وهو الأمر الذي يعطيها القوة والتفوق والتميز في رسم خطوط وقواعد اشتباك لمرحلة ما بعد هذه الحماقة الأميركية، وهذا لوحده يكفي لحشر واشنطن والكيان الصهيوني في معادلة من الهلع تكون أسيرة للحظة الرد. في حقيقة الأمر تجسد الرسائل الأميركية العاجلة الى إيران (أكثر من 23 رسالة تهدئة بالإضافة إلى الكثير من الوساطات ) بعيد اغتيالها الفريق سليماني حقيقة الخوف الأميركي من أن يتجاوز الرد الإيراني حداً يفوق بأبعاده الاستراتيجية قدرة الولايات المتحدة على هضمه، لجهة عدم قدرتها على الرد، وهو الأمر الذي يؤدي مجدداً إلى انزلاقها إلى حفرة المواجهة المباشرة، حيث لا هي قادرة على التقدم خطوة واحدة نحو حرب غير محسوبة العواقب قد تكون تكاليفها وأثمانها باهظة جداً، ولاهي قادرة على التراجع خطوة واحدة إلى الوراء بما يحفظ ماء وجهها وهيبتها. في العمق برزت العبقرية الإيرانية في تلقف الرسائل الأميركية كعنصر وكعامل ضاغط ومراكم للخوف الأميركي، وهذا ما ساهم بطريقة أو بأخرى إلى إدخال الولايات المتحدة في دائرة المجهول والقلق الذي يشرع أبوابه على كل الاحتمالات، برغم أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف كان واضحاً جداً في التمهيد لخطة الرد الإيرانية، عندما قال أن سبب التوتر في المنطقة هو وجود القوات الأميركية وهذا بدوره يؤكد أن أولى خطوات الرد لمحور المقاومة سوف تستهدف الوجود الأميركي في المنطقة حتى إخراج جميع القوات المحتلة الأميركية منها، ولعل هذا ما عبر عنه صراحة قائد الحرس الثوري الذي قال إن انتقام إيران سوف يكون بداية النهاية للوجود الأميركي في المنطقة. المشهد اليوم أمام عدة احتمالات، أهمها احتمال التصعيد والانزلاق نحو الحرب الشاملة التي سوف تكون تكاليفها وأثمانها باهظة جداً على الولايات المتحدة وحلفائها وأدواتها، وبالمقابل يبقى احتمال ضبط النفس قائماً، في ظل حركة دبلوماسية نشطة من العديد من دول العالم لاسيما تلك الحليفة لواشنطن من أجل احتواء الغضب الإيراني وحث طهران على ضبط النفس، أو على الأقل إقناعها برد يكون مناسباً ولا يؤدي إلى الانزلاق إلى حرب شاملة. من خارج الدائرة يمكن قراءة الصمت الإسرائيلي بكثير من الأبعاد الاستراتيجية للحدث، حيث الكيان الصهيوني أعلن مراراً وتكراراً عن وضع الفريق سليماني وكل كوادر المقاومة على أولويات أجندته لجهة استهدافهم، وربما هذا الهدف يكون استراتيجياً بالنسبة لإسرائيل التي تقف بحسب الكثير من القرارات وراء تحريض ترامب لاغتيال القائد سليماني من أجل خلط الأوراق والدفع بالأمور نحو الفوضى والمواجهة المباشرة، وإجبار الولايات المتحدة على خوض حرب كبرى غير مهيأة على الصعيد السياسي الداخلي لخوضها في هذا التوقيت تحديداً حيث الأزمات الداخلية والخارجية تلفها من كل جانب، وهذا بالتأكيد أي وقوع حرب كبرى يخدم آجندات وأهداف وطموحات الكيان الصهيوني بشكل عام ونتنياهو بشكل خاص، لأن مثل هذا الأمر من شأنه أن يمكن الأخير من تصدير أزماته الى الخارج، وفي ذات الوقت ضرب محور المقاومة بالذراع الأميركية. تبدو غيوم التصعيد وكأنها تلف المشهد برمته، لاسيما مع التصعيد الممنهج للمجموعات الإرهابية في الشمال السوري الذي لا ينفصل بأي شكل من الأشكال مع التصعيد الأميركي فهو جزء لا يتجزأ من استراتيجية منظومة الإرهاب، في وقت بدأت فيه سفن حربية روسية بالوصول إلى مياه المتوسط، وهذا مؤشر على أن الأمور تسير بسرعة مطردة نحو الغليان لا التسخين.. فهل تكون الأيام القادمة بداية لمواجهة شاملة، أم تكون مقدمة لإجبار أطراف الإرهاب على الخضوع والاستسلام للمعادلات والقواعد التي رسمها محور المقاومة على الأرض. |
|