|
دراسات سليماني إلى جانب عدد من قادة الحشد الشعبي العراقي والمقاومة العراقية، حيث من الصعب جداً التكهن بالنتائج والتداعيات المترتبة على هذا الاغتيال، سواء لجهة قدرة المحور الذي يمثله الجنرال الشهيد على الرد وإيلام الجهة المرتكبة، أم لجهة المصالح الأميركية الإستراتيجية المكشوفة والتي يمكن استهدافها، وكذلك عدد القواعد والجنود الأميركيين المنتشرين في العديد من دول المنطقة كقوات احتلال وتدخل وهيمنة، حيث لا نقاش حول حتمية قيام إيران وحلفائها بالرد على هذه الجريمة النكراء، بل النقاش يدور حالياً هو ماهية الرد وحجمه وتداعياته ومآلاته قياساً بالتهديدات التي تصدر عن كل جهة، سواء الجهة المستهدفة بالجريمة النكراء أم الجهة التي ارتكبتها، كما أنه لا خلاف أيضاً حول حجم وخطورة الخرق الأميركي الفاضح للقانون الدولي جراء هذه الجريمة، وخاصة في الوقت الذي تتبجح فيه الولايات المتحدة بـ (حرصها) الشديد على تنفيذ وإشاعة القانون الدولي وإنفاذ (العدالة الدولية) المنتقاة وفق معاييرها المزدوجة ذات المكاييل المغشوشة في العديد من الملفات والقضايا الدولية. لا أحد ينافس أميركا بخرق القانون الدولي بالمبدأ لا توجد دولة أو جهة مهما كانت ــ إلا إذا استثنينا الكيان الصهيوني وجهاز اسخباراته (الموساد) ــ يمكن أن تنافس الولايات المتحدة الأميركية من حيث إقدامها على ارتكاب جرائم الاغتيال السياسي حول العالم بما تشكله من خرق فاضح للقانون الدولي واعتداء مباشر على سيادة واستقلال الدول، إذ تضطلع وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) بالمسؤولية عن مئات الجرائم السياسية المرتكبة حول العالم ضد زعماء ورؤساء وقيادات وأفراد مناهضين لسياستها العدوانية ومحاولات الاغتيال الفاشلة، إضافة للكثير من الجرائم التي تم تسجيلها ضد مجهول والتي يرجح الكثيرون دائمًا وقوف واشنطن خلفها. جريمة سياسية وإرهابية مكتملة المواصفات في الحدث الذي أقلق العالم هذه الأيام، لدينا جريمة إرهابية سياسية مكتملة المواصفات، لجهة خرقها للقانون الدولي والإنساني، فاستهداف شخصية سياسية إيرانية معروفة على مستوى العالم بإنجازاتها سواء في مجال مكافحة الارهاب والقضاء على تنظيم داعش الإرهابي أم لجهة إسهاماتها الكبيرة على مدى نحو أربعين عاماً في مساندة شعوب المنطقة في مواجهة قوى الهيمنة والاحتلال وخاصة الاحتلال الإسرائيلي الغاصب يعتبر عملاً خطيراً ويترتب عليه تداعيات غير محسوبة النتائج، فالشخصية ذات أهمية كبرى على مستوى المنطقة وعلى مستوى دولة ذات وحضور وتأثير كبير في معظم القضايا الإقليمية، ثم إن هذه الشخصية كانت في زيارة رسمية لدولة مستقلة (العراق) وقد استقبلت الجنرال سليماني جهة رسمية شرعية(أحد قيادات الحشد الشعبي) الشهيد أبو مهدي المهندس، والحشد الشعبي كما هو معروف تنظيم عسكري رديف للقوات المسلحة العراقية تم تأسيسه في ظروف حساسة وفق قوانين الدولة العراقية لقتال التنظيم الإرهابي الأخطر في العالم، ولا تخفى على واشنطن إسهامات الجنرال سليماني في تأسيس هذا التشكيل العسكري المهم في الساحة العراقية، فهي أكثر من اطلع ــ بحكم وجودها العسكري والاستخباراتي في العراق ــ على إنجازات هذا التشكيل المقاتل خلال السنوات الماضية أثناء محاربة تنظيم داعش، التنظيم الخطير الذي أسسته ورعته أميركا في العراق ــ باعتراف دونالد ترامب أثناء حملته الانتخابية ــ لتنفيذ مشروع تدميري تقسيمي تخريبي على مستوى المنطقة يمتد من أفغانستان شرقاً إلى لبنان غرباً وصولاً إلى شمال أفريقيا، حيث لا يزال هذا التنظيم الإرهابي حاضراً وفاعلاً في العديد من الجبهات ولاسيما سيناء المصرية وليبيا وبعض الدول الأفريقية، رغم سقوطه وتقهقره في سورية والعراق. على أرض دولة مستقلة وذات سيادة من المعروف ــ وبالمناسبة إسرائيل أكثر من نفذ جرائم سياسية وإرهابية منذ إنشاء كيانها الغاصب قبل سبعين عاماً في فلسطين حيث يحفل سجلها الأسود بمئات الجرائم بحق قيادات ومناضلين ومقاومين فلسطينيين ولبنانيين وعرب ــ من المعروف أن جرائم الاغتيال السياسي هي عمليات قتل ممنهجة وذات أهداف بعيدة المدى من بينها ترهيب الجهة أو الدولة التي تتبع لها الشخصية المستهدفة بهدف إخضاعها وتحقيق مكاسب سياسية على حسابها، وهذا ما يمكن قوله حول الجريمة الارهابية التي اقترفتها الولايات المتحدة بحق الجنرال سليماني ورفاقه في مطار بغداد أثناء زيارة رسمية للعراق يتم خلالها التنسيق حول كل ما يحصن العراق من الارهاب وتنظيم داعش، فالجنرال الشهيد كما هو مثبت وتشهد له الوقائع الميدانية في الحرب على التنظيم يقدم استشارات عسكرية مباشرة للدولة العراقية ولقواتها المسلحة فيما يخص مكافحة الارهاب، حيث تم تحقيق انجازات كبيرة في هذا المجال أقضت مضجع الأميركيين والصهاينة الذين كانوا يدعمون التنظيمات الارهابية على مساحة المنطقة وقوضت مشروعهم الخبيث لاخضاع المنطقة وتصفية المحور المعادي للعدوان والهيمنة التي تمثلها واشنطن وحلفاؤها. الجريمة في نظر القانون الدولي في نظر القانون الدولي يعتبر الاغتيال السياسي (القتل) انتهاكاً صارخاً للحق في الحياة وفق ما جاء في المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ( لكل فرد حق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه). كما نص البند الأول من المادة السادسة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن ( الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان، وعلى القانون أن يحمي هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفاً). وبما أن الولايات المتحدة تتصرف كقوة احتلال في العراق بعيداً عن الاتفاقية الأمنية الموقعة مع العراق ـ فالاتفاقية تقتصر الغاية من الوجود العسكري الاميركي في العراق على أغراض تدريب القوات العراقية التي تكافح الإرهاب ولا يحق لها الإقدام على أي سلوك يتناقض مع السيادة العراقيةــ فالقانون الدولي يحظر عليها أن ترتكب جرائم إنسانية وجرائم حرب بحق العراقيين، وقد تأكد خلال الأيام الماضية استهداف القوات الأميركية لمقرات ومراكز الحشد الشعبي العراقي الذي يقاتل الارهاب الداعشي وكان من نتيجة ذلك ارتقاء عشرات الشهداء في الحشد. ومن ناحية أخرى، تحظر مبادئ الأمم المتحدة الخاصة بالوقاية الفعالة من عمليات الإعدام خارج نطاق القانون تحت أي ذريعة حتى إن كان زمن الحرب، وحسب المبدأ الأول والذي جاء فيه ( يجب على الحكومات أن تحظر قانونياً جميع عمليات الإعدام خارج نطاق القانون، وأن تضمن اعتبار أي عمليات مثل هذه، جرائم حرب بموجب قوانينها الجنائي، وان يعاقب عليها بالعقوبات المناسبة التي تأخذ بعين الاعتبار مدى خطورة هذه الجرائم، ولا يجوز التذرع بالظروف السياسية الداخلية أو أي حالة طوارئ أخرى كمبرر لتنفيذ عمليات الإعدام هذه. كما تعتبر عمليات الإعدام خارج نطاق القانون (جرائم الاغتيال السياسي) التي تنفذها قوات الاحتلال الأميركية في العراق مخالفة صريحة وواضحة للمعاهدة الرابعة الموقعة في الثامن عشر من أكتوبر لعام 1907 في لاهاي والمتعلقة بقوانين وأعراف الحرب على الأرض. التبرير لا يقل انتهاكاً للقانون الدولي عن الجريمة إذاً وفي كل الأحوال تعتبر الولايات المتحدة مدانة أمام القانون الدولي بجريمة ارتكاب اغتيالات سياسية يحظرها ميثاق الأمم المتحدة، ولعل الأغرب في تبرير هذه الجريمة النكراء من قبل مسؤولي البنتاغون أن الجنرال سليماني كان (ينوي) القيام بعمليات عسكرية ضد الجنود الأميركيين في المنطقة، فانطلقت في عمل استباقي لحماية جنودها، فلو تم تشريع مثل هذا الزعم أو الافتراض على مستوى العالم لأصبح من حق أي جهة كانت أن تغتال أي شخصية تريدها بداعي محاسبتها على النوايا، وهكذا يتحول العالم ــ وعلى قاعدة الحرب الاستباقية الأميركية ــ إلى ميدان واسع وخطير لعمليات الاغتيال الاستباقية والجرائم السياسية، وهذا ما يزيد مساحة الفوضى والإرهاب والحروب على رقعة الكرة الارضية على العكس ما يدعي الأميركيون بأن العالم سيصبح أكثر أمناً بعد جريمتهم. |
|