|
دراسات ولنبدأ من لبنان حيث طفت على السطح سلسلة من الاحتجاجات الشعبية منذ تاريخ 17 تشرين الأول، إثر فشل الحكومة في إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية التي تلوح في الأفق والتوجه نحو حلول تقوم على فرض المزيد من الضرائب على مواد رئيسة مثل البنزين والتبغ، إضافة إلى استحداث ضريبة على استخدام تطبيقات المكالمات الهاتفية عبر الإنترنت، ثم ما لبثت هذه الاحتجاجات أن اتسعت حيث بدأ المتظاهرون بالمطالبة بإسقاط الرئاسات الثلاث في لبنان لذلك تتحمل الحكومة اللبنانية المسؤولية الكبرى في تحويل البلد إلى ساحة لتصفية الحسابات، إذ لطالما تأثر لبنان بما يحصل من استحقاقات إقليمية ودولية، ومن هنا، يمكن قراءة المقاربة الغربية للاحتجاجات الشعبية التي شهدها هذا البلد مؤخرا، ولا شكّ أنّ الموقف الأميركي من الاحتجاجات جاء ليعزّز فرضيّة «المؤامرة» وكأن ما يتم ليس إلا احتجاجا ضد ايران، الأمر الذي يتبعه بالضرورة الغمز من قناة «حزب الله»، وذلك بهدف إضعاف الحزب أو نزع سلاحه وتدويل الأزمة وفتح باب التدخلات في الحين الذي يتم به المزيد من الاستكشافات النفطية في المياه اللبنانية ما يوضح لنا الأهداف الأميركية في هذا البلد. كما أن أوروبا سال لعابها لجهة ثروة النفط والغاز المكتشفة في المياه الإقليمية اللبنانية، إذ بات معلوما لدول العالم أن لبنان مقبل على اكتشافات هامة بحرية في النفط والغاز الأمر الذي دفع بالمجتمع الدولي لانتهاز هذه الفرصة التي تمكنه من الدخول إلى الساحة اللبنانية. أما في اليمن فقد تمكنت المقاومة اليمنية من استهداف معملين تابعين لـ «أرامكو» في محافظة بقيق ومدينة خريص عبر طائرات مسيرة الأمر الذي شكل تحولا جديدا في مسار الأحداث وشكل صفعة قوية للسعودية إذ أثرت عمليات القصف على انتاج 5 ملايين برميل يومياً من النفط، تمثل نحو نصف الإنتاج الإجمالي للبلاد، والبالغ نحو 10 ملايين برميل يومياً وقد تم الهجوم باستخدام 10 طائرات مسيرة، وأدى إلى إحداث أضرار بالغة في المنشآت المستهدفة، لذلك تعد هذه العملية أكبر عملية داخل المملكة نظرا لأهمية معامل «بقيق» الدولية إضافة لإمداداتها الآمنة لسوق الطاقة العالمية، فهي- من ضمن ما تتميز به - تربط المملكة بالبحرين عبر خط أنابيب النفط الخام. كما تمثل معامل «بقيق» الشريان في خط أنابيب الشرق والغرب التابع لـ «أرامكو»، والذي يؤدي دوراً حاسماً في ربط منشآت إنتاج النفط في المنطقة الشرقية وينبع على الساحل الغربي، وتوفير المرونة للتصدير من الساحل الشرقي والغربي للمملكة. بالإضافة إلى ذلك تضم منطقة هجرة خريص «حقل خريص» الذي يعتبر أكبر مشروع بترول بالعالم حيث يقدر إنتاجه بـ1.2 مليون برميل يومياً من الزيت العربي الخفيف. وتجدر الإشارة إلى أن استهداف معامل «بقيق» و»هجرة خريص» يعد الهجوم الثالث على منشآت أرامكو النفطية بطائرات مسيرة خلال الشهور الماضية. وكانت جماعة أنصار الله قد أعلنت، في 17 آب الماضي، أنها نفذت «أكبر عملية» منذ بداية الحملة العسكرية للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، واستهدفت بـ 10 طائرات مسيرة مفخخة حقل نفط ومصفاة غاز «الشيبة» التابعة لأرامكو في المنطقة الشرقية بالمملكة. وفي 15 أيار الماضي، قالت السعودية إن طائرات مسيرة مسلحة هاجمت محطتي «عفيف» و»الدوادمي» بمنطقة الرياض لضخ نفط أرامكو، فيما أعلنت جماعة انصار الله مسؤوليتها عن الهجمات. كما يشهد العراق منذ مطلع تشرين الأول الماضي احتجاجات تطالب بما يصفه المتظاهرون بـ»الحقوق المشروعة» وتخللت تلك الأحداث أعمال عنف أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات بين المتظاهرين والقوات الأمنية. يأتي ذلك في وقت أقدم فيه عدد من المحتجين على إغلاق طرق عامة وبعض الجسور ووصلت مطالب المتظاهرين إلى الدعوة لاستقالة حكومة عادل عبد المهدي، وتشكيل حكومة مؤقتة واجراء انتخابات مبكرة. وقد شكلت هذه الاحتجاجات تحديا للسياسات الدولية والإقليمية نظرا لما تتمتع به من أهمية كبرى في الصراع الجيوسياسي. لكن لا ريب أن الولايات المتحدة وإسرائيل كان لهما الدور الفعال في تلك الاضطرابات إذ شعرت واشنطن أنها خسرت الكثير من نفوذها السياسي والعسكري في العراق، لذا فإن أي فوضى تزعزع البلاد سوف تصبّ في مصلحة تزايد النفوذ الأميركي في المنطقة، كما أن واشنطن تسعى إلى الإخلال بموازين القوى في المنطقة وفرض استراتيجية «الفوضى الخلاقة» بما يتناسب ومصالحها. كما شهد يوم الأحد اعتداءات جوية أميركية على مواقع عسكرية عراقية تتبع للحشد الشعبي (الذي تشكل عام 2016 بهدف مواجهة تنظيم داعش) لذلك فإن استهداف القوات الأميركية الغاشمة لمقرات الحشد الشعبي يمثل انتهاكا للسيادة العراقية وتعديا سافرا على إرادته الوطنية. ويمثل السلوك الأميركي الأخير خير دليل على أن وجودها العسكري في العراق والمنطقة لا يتعلق بمحاربة الإرهاب والتصدي له بل لدعم بقاء واستمرار الإرهاب خدمة لمصالح أميركا الاستراتيجية. وشهدت ليبيا في الآونة الأخيرة أحداثا قد تشكل نقطة تحول في تاريخها ففي السابع والعشرين من شهر تشرين الثاني وقعت ما تسمى حكومة الوفاق الوطني مذكرتي تفاهم مع تركيا تتعلق المذكرة الأولى بترسيم الحدود الملاحية في البحر الأبيض المتوسط بين جنوب غرب تركيا وشمال شرق ليبيا لأن المصلحة التركية في ليبيا تقوم على جني الفوائد الإيديولوجية والجيوسياسية، إذ نجد العثماني الجديد الرئيس رجب أردوغان قد أخذ بالتوجه نحو دعم الحركات الإسلامية المشابهة لحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه، وإلى توسيع تحالفه الإقليمي مع قطر في شمال أفريقيا، ولذلك دعمت تركيا الجماعات الليبية المقربة من جماعة الإخوان المسلمين في الحرب الأهلية أو العشائرية المغذاة خارجياً. ومع ذلك، فإننا نرى أن دافع أردوغان الرئيس لدخول مسرح الأحداث في ليبيا كان جراء تدهور الاقتصاد التركي على مدار العامين الماضيين ورؤيته بأن ليبيا تمثل فرصة يجب استغلالها لتحقيق المزيد من المكاسب المشروعة وغير المشروعة. أما المذكرة الثانية فتتعلق بإرسال قوات تركية إلى ليبيا إذا طلبت «الوفاق الوطني» دعماً عسكرياً إذ تشمل هذه المذكرة التعاون في مجالات الأمن والتدريب العسكري، والصناعات الدفاعية، وغيرها من أشكال التنسيق العسكري. وتعد هذه الاتفاقية التي تم التوافق عليها فصلاً جديداً من التدخل التركي السافر في الشؤون الليبية وتواطؤاً غير مسبوق من حكومة الوفاق الوطني ما قد يفضي إلى توتر الأوضاع المعقدة في ليبيا ومنطقة البحر المتوسط برمتها. أما في السعودية فقد أغرق محمد بن سلمان بلاده في المشكلات على العديد من الجبهات خلال العام الماضي وتخلل المشهد الداخلي تناقضا بين الإصلاح والقمع. فعلى المستوى الإقليمي شهدت حقول النفط هجمات عرقلت الإنتاج وفشلت جهود المصالحة مع جارتها الخليجية قطر حتى قبل أن تبدأ. وعلى المستوى العالمي، لم ينقذ محمد بن سلمان سمعته كقائد يوثق به بعد العملية العسكرية الفاشلة التي استمرت على مدى خمس سنوات في اليمن ومقتل الصحفي جمال الخاشقجي في أواخر عام 2018 فضلا عن أعمال القمع والممارسات التعسفية وحملات الاعتقال التي طالت طيفا واسعا من المجتمع السعودي وبذلك أثبت ولي العهد نجاحه فقط في تقويض مصداقية المملكة وتشويه سمعتها. وخلال سنة 2019 عاشت تونس على إيقاع جملة من الأحداث الكبرى التي كان لها وقع كبير ودور في توجيه مسار البلاد في بعض الأحيان وأهم تلك الأحداث التي شهدتها: اهتزاز العاصمة جراء تفجيرين إرهابيين استهدف الأول دورية للشرطة والثاني مقر الشرطة العدلية في شهر حزيران. ووفاة رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي عقب أزمة صحية حادة وتعيين محمد الناصر قائما بالأعمال برئاسة الجمهورية إلى حين انعقاد الانتخابات الرئاسية المبكرة في شهر تموز. ومن ثم تصدرت حركة النهضة المشهد البرلماني عقب حصولها على 52 مقعدا في الانتخابات التشريعية التي عقد بتاريخ 6 تشرين الأول، وأصبح قيس سعيد سابع رئيس للجمهورية التونسية عقب حصوله على 72 بالمئة من أصوات الناخبين خلال الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، ثم كلف الحبيب الجميلي تشكيل الحكومة بتاريخ 15 تشرين الثاني. وأخيرا نسلط الضوء على الوضع في فلسطين المحتلة إذ شهدت الأراضي الفلسطينية خلال عام 2019، أحداثاً حافلة وصفت بـ»الساخنة» تارة، وبـ»المهمة « تارة أخرى. إذ كان الحدث السياسي الأبرز عقد الشق الاقتصادي لـ «صفقة القرن» في البحرين وسط مقاطعة عربية ودولية نظرا لما تنطوي عليه من قرارات تمس القضية الفلسطينية وتقرب الكيان الصهيوني من المنطقة العربية وتفتح باب التطبيع. وتقوم «الصفقة» على إجبار الفلسطينيين على تقديم تنازلات مجحفة لـ»إسرائيل»، في ملفات القدس واللاجئين وحدود عام 1967، مقابل تعويضات واستثمارات. بالإضافة إلى ذلك شهد هذا العام زيادة في الغطرسة الإسرائيلية باللجوء إلى هدم منازل الفلسطينيين بالقدس المحتلة والضفة الغربية، إذ تبين زيادة في عمليات الهدم تقدر بنسبة 40% عن العام السابق، وفقا لتقرير للأمم المتحدة. كما أن الكيان الصهيوني واصل سياسة الاعتقال والتعذيب كوسيلة للانتقام من الأسرى وممارسة الضغوط عليهم بغية الحصول على اعترافات منهم وقد أشارت مؤسسات الأسرى وحقوق الإنسان في وثيقة أصدرتها مؤخرا إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي قد اعتقلت أكثر من 5500 فلسطيني بينهم 889 طفلا و128 امرأة. |
|