|
مجتمع إنهم أطفال لايعرفون من طفولتهم سوى اسمها، غابت عنهم ملامح الإنسانية والتصقت فيهم مظاهر العذاب والحرمان لتضعهم على أول طريق الانحراف، فهرموا قبل أن يهرموا وشاخوا قبل أن يشيخوا وحفر الألم صورته على وجوههم وأبدانهم الضعيفة الطرية .. يطوفون طوال النهار وثلثي الليل لاهثين وباحثين عن لقمة تحفظ حياتهم وتسد رمقهم، وإذا ما هجع الناس أسقطهم السغوب واللغوب على عتبات البيوت وأرصفة الشوارع حيث عالمهم الذي فرض عليهم قوانينه وثقافته والتي ليست كقوانيننا وثقافتنا ... إنهم « أطفال الشوارع» الذين تلطم المأساة وجوههم يوما بعد يوم، لتسري في حنايا المجتمع لتبث سمومها وأخطارها يوما بعد يوم على مسمع ومرأى الكثير من الناس الذين يتباهون غرورا بمساعدة الآخرين وحل مشكلاتهم طمعا بكسب المزيد من المناصب والمزايا.. ولكي نضع القارئ على حجم مأساة فلذات الأكباد هؤلاء لابد أن نلج الى نفقهم المظلم باحثين معهم عن بارقة أمل تعيدهم الى طفولتهم والاهم إلى إنسانيتهم الضائعة ، لذلك ارتأينا لقاءهم والبدء من عندهم . الأطفال : لا أحد يسأل عنا أو يهمه أمرنا .. الطفل خالد (د) 12 عاماً قال:إن سبب وجوده في الشارع متشردا ومتسولا هو طرده من المنزل من قبل أشقائه الأكبر سنا الذين يطالبونه بإحضار المال بعد وفاة والده وزواج والدته في حلب وهو ما أدى الى نومه في الشارع في اغلب الأوقات بسبب هذا الاضطهاد من قبلهم متمنيا الذهاب الى المدرسة بدلا من الشارع. الطفل علاء (ذ ) 13 عاما قال: إن سبب تسوله ووجوده في الشارع هو لمساعدة أهله وأخوته البالغ عددهم ثمانية بعد وفاة والده مضيفا أن والدته وأحداً من أشقائه لم يزره ، أما الطفل مالك (ج) 10 أعوام فقال: إن الذي يرسله و أخيه مازن المتواجد معه أيضا في المعهد الى الشارع لإحضار المال بأي وسيلة هي جدته لمساعدتها في تربيتهم بعد دخول والدهم الى السجن لأسباب مجهولة مضيفا أنه وأخيه غير مسجلين في المدرسة ، من جانبه قال الطفل إبراهيم (ش)12 عاماً انه يقوم بالتسول لنفسه من اجل أن يؤمن طعامه وشرابه بعد طلاق أمه وزواج أبيه مضيفا انه ينام في اغلب الأوقات في الشارع وفي بعض الأحايين عند بعض أقاربه أو عند بعض أصحاب المحلات الذين يستغلونه بالعمل الشاق والمفرط . بدوره قال الطفل محمد (ن) 10أعوام :إن عجز أبيه ومرض أمه هما من دفعاه الى الشارع للتسول لإحضار المال لتأمين حاجاتهما من الطعام والدواء ، أما الطفل باسم (ق) 12 عاما فقال: إن تسوله ليعيل أمه المريضة وإخوته بعد دخول والده الى السجن . تشريع يقاضي من يسيئون معاملة أبنائهم وعن الإجراءات التي قامت بها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لمكافحة ظاهرة أطفال الشوارع قال السيد ماهر رزق مدير الخدمات الاجتماعية في الوزارة: إن مشكلة التشرد ليست مسؤولية وزارة الشؤون الاجتماعية فقط ،بل هي إضافة لذلك مسؤولية وزارة العدل ووزارة الداخلية ،مضيفا ان دور وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل يتمثل بإيجاد الدور والمعاهد الإصلاحية المتخصصة بهذه الحالات والتي تستقبل الأطفال المشردين بعد أن تتم إحالتهم إليها من قبل القضاء المختص بعد إيقافهم من قبل وزارة الداخلية ،حيث يتم في هذه المعاهد والمراكز إعادة تأهيلهم مدة بقائهم فيها والتي غالبا ماتكون أياما فقط ،مضيفا أن أهالي الأطفال يقومون بعد ذلك باستلامهم بعد كتابة تعهد بعدم إقدام أطفالهم على التسول . و قال رزق إن القانون الحالي لم يعطِ أي صلاحية لأي جهة من الجهات إقامة الدعاوى على الأهالي لمعاقبتهم على سوء معاملتهم لأطفالهم ودفعهم للتشرد، وحاليا تعمل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل على التعاقد مع خبير وطني لمراجعة قانون التسول والتشرد بهدف الوصول الى تشريع جديد تستطيع الوزارة من خلاله أن تقاضي الأهل الذين يسيئون معاملة أطفالهم من جهة ، وإيجاد وسيلة ما لاستبقاء الأطفال فترة كبيرة أكثر من أيام حتى يتم تأهيلهم . أكثر من 350 حدثاً يستقبلهم معهد ابن رشد سنوياً.. ومن أجل التأكد أكثر مما سمعناه من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل زرنا معهد ابن رشد لرعاية المشردين والتقينا مدير المعهد أسامة الجوهري الذي اخبرنا أن المعهد الذي تأسس عام 1976 هو مركز احترازي لوضع الأحداث من سن 10إلى 18 سنة بغية إبعادهم عن الخطر وفصلهم عن الشارع . وعن الأسباب الجوهرية لوجود الأطفال في المعهد قال الجوهري: إن أبرز هذه الأسباب يعود الى تفكك الأسرة وسيطرة الفقر وزيادة عدد الافراد في العائلة مضيفا ان دور المعهد يرتكز فقط على العناية بالطفل من حيث المأكل والمشرب والملبس وذلك ضمن المدة المحددة التي يحكم فيها الطفل من قبل القضاء وأغلب تلك الأحكام تكون لعدة أيام حيث لايستطيع المعهد القيام بأي دور تأهيلي للأطفال الذين غالبا ما يكررون نفس الأفعال حتى يعودوا للمعهد الذي يجدون فيه الأمن والطمأنينة والمسكن والطعام وذلك ما لايوجد في الخارج حيث لا أسرة لهم ولا رقيب ولا حسيب . وأوضح مدير المعهد ان أهالي الاطفال لايتواصلون مع المعهد بعد إعلامهم بوجود أبنائهم لدينا لاستلام أطفالهم أو للقيام بأي فعل لتدارك المشكلة والموضوع بل إن البعض منهم يمارس فعل التطنيش تحت عنوان الخلاص منهم . وأضاف الجوهري: إن المعهد يفتقد الى الكادر الاختصاصي والتربوي ويقتصر فقط على وجود اختصاصية وحيدة وعدة مراقبين للإشراف على سلوك الأطفال داخل المعهد ،وأمل الجوهري في ختام حديثه ان يخصص للمعهد كادر من الاختصاصيين التربويين المؤهلين لإعادة تأهيل الأطفال . وقدم الجوهري إحصائية دقيقة للمعهد عن عدد الأحداث الذين وفدوا إلى المعهد خلال السنوات الخمس الماضية وهي على الشكل التالي : -عام 2005 بلغ عدد الأحداث 244 حدثاً . - عام 2006 بلغ عدد الأحداث 300 حدث . - عام 2007 بلغ عدد الأحداث 264 حدثاً . - عام 2008 بلغ عدد الأحداث 296 حدثاً . - عام 2009 بلغ عدد الأحداث 357 حدثاً . - عام 2010 بلغ عدد الأحداث في شهر شباط فقط 38 حدثا . ومن اجل تحديد حجم الخطورة المستقبلية لهذه الظاهرة إن لم يتم تداركها والإسراع في معالجتها نظرا لنموها وتزايدها بشكل كبير،تبين للقارئ آخر الاحصاءات العالمية والعربية الكبيرة والخطيرة لهذه الظاهرة التي تهدد المجتمعات والدول، حيث اثبتت الاحصاءات العالمية ان هناك من (100- 150)مليون طفل يهيمون في الشوارع، فيما أكدت احصائية صدرت عن المجلس العربي للطفولة والتنمية العام الماضي أن أطفال الشوارع في العالم العربي يتراوح عددهم مابين (7-10)ملايين طفل عربي ، بينما تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن أطفال الشوارع في مصر وحدها يزيدون على مليون طفل مشرد ، اما في المغرب وبالاستناد الى احصاءات تقديرية فهناك 234 الف طفل شارع، وفي السودان 80 ألفاً ، اما في اليمن فهناك 28 الفاً وفي لبنان نحو 3500. العمار: الأسرة المؤسسة الأهم وللتعرف أكثر على أسباب نشوء هذه الظاهرة وكيفية معالجتها و بيان دور المجتمع من جهة ودور الأسرة ومسؤوليتها من جهة أخرى التقينا الدكتور خالد العمار الاختصاصي في الإرشاد النفسي بكلية التربية في جامعة دمشق الذي سألناه بداية عن تعريف طفل الشارع ؟ حيث قال: إن طفل الشارع هو الطفل الذي مازال في سن المدرسة أي دون الخامسة عشرة وقد ترك المدرسة ولم يستكمل مرحلة التعليم الإلزامي وخرج الى الشارع بقصد العمل او الكسب أو اللعب وإمضاء الوقت فأصبح عرضة لتأثيرات الشارع . وهل طفل الشارع خطر يمكن انفجاره في أي لحظة ..؟ ، أجاب العمار انه طالما أصبح الطفل عرضة لتأثيرات الشارع فهذا يعني انه سيتأثر بأخلاق الشارع بل بأخلاق أقرانه الذين يحتك بهم في الشارع وربما كان هؤلاء اكبر منه سنا ،وهنا تبدأ المشكلة حيث يتعرض لتأثيرات مختلفة ربما كان بعضها وأخطرها طرق الانحراف التي تؤدي به الى حالة من الشذوذ السلوكي ،وربما هؤلاء الذين يجرونه الى هذا الطريق قد احترفوا السلوك اللاسوي وهنا تتفرع الطرق فهناك طريق المخدرات وآخر المسكرات وثالثا اللصوصية ورابعا الجريمة وخامسا الاستغلال الجنسي وسادسا طريق استغلال إنسانية هذا الطفل وغيره من الطرق التي تؤدي الى نتائج وخيمة على مستقبل وحياة الطفل . وعن دور الأهل في لفظ ابنهم إلى الشارع قال العمار: إن الأسرة هي نواة المجتمع وهي التي تخرج الأطفال للحياة والمؤسسات الاجتماعية الأخرى وهي المؤسسة الاجتماعية الأولى والاهم في حياة الطفل ، لذلك نرى ان الطفل يتأثر في طبيعة الخلافات الموجودة في الأسرة وكذلك بشخصية الأب والأم والأخ الأكبر وأيضا الأقارب ،وهذا بدوره كله ينعكس على سلوك الطفل في علاقاته الاجتماعية في المدرسة والشارع ،موضحا انه إذا تبينا اثر الأسرة على ظهور ظاهرة «أطفال الشارع» يمكن القول إن الأسرة المفككة والتي يشوبها الخلاف والخصام بين طرفي الاسرة الأساسيين « الوالدان» تؤدي بالأسرة الى حالة من الإهمال وهذه الحالة هي عينها التي يوجد فيها الطفل الذي لايلقى رعاية تربوية وعلمية وسلوكية ولا اجتماعية في الاسرة وهذه الحالة من الإهمال مصحوبة أيضا أو ناشئة عن حالة من التفكك الأسري والتي قد تنتهي أحيانا الى الطلاق المعنوي او النفسي او الى حالة الطلاق العقلي بين الزوجين وهذا يؤدي بالأطفال إلى ان يكونوا عرضة للتيارات القادمة من الخارج ، وعلى سبيل المثال من الشارع لا يلقى الطفل الاهتمام لدى الوالدين بدراسته أو تربيته وليس مهما مستقبل هذا الطفل وكيف يخطط له وهنا قد يترك الطفل المدرسة أو قد يتغيب عنها أو يهرب منها وقد يصبح في أحسن الأحوال بائعا على بسطة ،هذا إذا كنا متفائلين أو بائع دخان ،مضيفا أن هناك احتمالا كبيرا أن يتعرض للاستغلال الجنسي او للانخراط في طريق المخدرات او اللصوصية أو الجريمة ،وهنا نكون قد وصلنا الى الأثر البالغ الذي أحدثته الأسرة المفككة في وصول الطفل إلى الشارع وجعله تحت تأثير التيارات السلبية المختلفة في الشارع ونهبا للعصابات والمجرمين والذين يعملون على استغلال الأطفال. الإرشاد النفسي يحد من انتشار أطفال الشوارع.. وعن دور علم النفس في معالجة هذه الظاهرة أوضح العمار ان الإرشاد الأسري يتدخل في المشكلات الأسرية ويمكن لهذا النوع من الإرشاد أن يتصدى أو يساعد في حل المشكلات الأسرية التي تنشأ سواء على صعيد الزوجين أو الطفل والأب أو الطفل والأم أو بين الإخوة واذا تيسر للأسرة هذا النوع من الإرشاد وكان هناك برنامج إرشادي فعال يمكن عندها انتفاء المشكلات الأسرية ويصبح الجو الاسري جوا سليما وتربة خصبة لنشوء الأطفال الأسوياء الذين يستطيعون ان يوجدوا حالة من التكيف من المدرسة وتكون له الشخصية الفاعلة والتي تلقت في التربية المبادئ الأخلاقية السليمة والسوية التي تجعله بمنأى عن الانحرافات والسلوك اللاسوي ،وهنا الطفل يتكيف في المدرسة وإذا خرج يخرج بعد اتمام المرحلة الإلزامية ويخطط طريقه بطريقة مشروعة فقد يتعلم مهنة يدوية مثلا او ميكانيكية او كهربائية ..الخ وهذا سيجعله في المهنة صاحب مهنة . ولدى سؤالنا عن إمكانية عودة الطفل الى حضن الطفولة ،اكد العمار ان ذلك ممكن من خلال مؤسسات اجتماعية تقوم بالبحث عن أطفال الشوارع حيث تتناولهم بالدراسة والبحث وتقديم العون لهم والنصح والإرشاد وهنا نجعلهم ينخرطون بدورات تدريبية مهنية وحرفية ليكونوا في النهاية أصحاب مهن ، ولعل سجن الأحداث الذي يعج بأطفال الشوارع يقوم من هذا النوع لإكساب المهن والحرف للأحداث السجناء دون السن القانونية، وهذا الأمر بالنسبة للمؤسسات الاجتماعية متوفر في الغرب والمجتمعات المتقدمة ولكن مجتمعاتنا مازالت تفتقر الى مثل هذا المؤسسات . للمجتمع مسؤوليته الأخلاقية والإنسانية والحضارية .. وعن نظرة المجتمع إلى طفل الشارع قال العمار إنها عادة ماتكون سلبية قائمة على التعسف أو على شيء من الرحمة وقد يتعرض الطفل للاستغلال في جهده أو في إنسانيته أو استغلاله جنسيا، وكل هذا يجعل المجتمع لا يقوم بالدور المأمول منه لإصلاح هذا الطفل الذي قد تكون قست عليه الظروف ولكن تبقى للمجتمع مسؤوليته الاجتماعية والأخلاقية والإنسانية والحضارية التي لاتبرئه من التقصير فعلى المجتمع والمؤسسات الاجتماعية والخيرية أن تفكر بطفل الشارع وكيف تعيده الى جادة الصواب والسواء ولعلنا هنا في هذه الإشارة قد نسمع صوتنا لمن هو صاحب المسؤولية في هذا الشأن. وعن النصائح التي يمكن تقديمها للأهل قال العمار: انه من خلال اختيار الشريك أو الشريكة المناسبة الذي يجعل للزواج نصيبا وافرا من النجاح في الحياة الزوجية وبالتالي يساهم هذا الزواج في بناء أسرة وتنشئة أطفال أسوياء ومن خلال حل الخلافات الأسرية بطريقة ودية يسودها التفاهم والتشاور وتقبل آراء الآخر وبعيدا عن الأطفال حتى لايعيش الأطفال في جو من اضطراب وإرباك ،مضيفا أن ذلك يكون أيضا من خلال العلاقة الوثيقة بين البيت والمدرسة ومتابعة الطفل في البيت دراسيا وتربويا ومراقبة سلوكه وتعزيز السلوك الايجابي ومعالجة السلوك السلبي لتعديله ليكون ايجابيا وأيضا متابعة الطفل من حيث علاقته بأقرانه سواء في البيت أو المدرسة أو في الشارع أو الحي. |
|