تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بحثاً عن الثقة

على الملأ
الثلاثاء 9-3-2010م
مصطفى المقداد

يرتحل جورج بابندريو رئيس الوزراء اليوناني مابين العواصم الاوروبية الفاعلة ليحط في واشنطن عاصمة المال الدولية بحثاً عن حل لمشكلة بلاده المالية تعيد الثقة لاقتصاد اليونان الذي مثل أول تجربة حقيقية لأزمة مالية في منطقة اليورو التي تضم ست عشرة دولة من دول الاتحاد الاوروبي السبع والعشرين.

وبابندريو في مسعاه الصعب يكشف كل الاوراق السرية التي سترت الاقتصاد الإغريقي على مدى عقد كامل أوهمت الأوروبيين باحترام معاييرهم التي تشترط عجزاً في الموازنة يقل عن 3٪ من مجمل الناتج الكلي،لكن المشكلة كشفت عجزاً مخيفاً بلغ 12.7٪ بفعل تأثير المديونية الكبرى والتي تتجاوز حدود 400 مليار دولار وهي ماتزيد عن حجم الناتج الكلي بأكثر من 13٪ ، فالوقوع في مطب مديونية تتجاوز الناتج الاجمالي ينذر بسقوط النظام الاقتصادي وهو ماتجلى من خلال الاضرابات العمالية التي ماانفكت تتكرر داخل بلاد الحكمة ويمتد تأثيرها الخارجي إلى البرتغال ، فيما تتسع حدود الخطر لتطول اسبانيا و ايطاليا اللتين تواجهان ظروفاً قاسية.‏

لكن رئيس الوزراء اليوناني لم يذهب خالي الوفاض، فعلى الرغم من الاحتجاجات على برامج التقشف الحكومية، إلا أن استطلاعات الرأي العام أظهرت تعاطفاً مع حكومته الاشتراكية التي لم يمض على استلامها إدارة البلاد ستة أشهر بعد، وهو مادفع المستشارة الألمانية للتراجع قليلاً عن معارضتها لتقديم أي دعم لحكومة أثينا، ودفع الرئيس الفرنسي لتأييد الخطوات اليونانية والتصريح بأن الاتحاد الأوروبي لن يتخلى عن اليونان في محنتها من جانب، كما لن يسمح بتعرض العملة الأوروبية الموحدة لاهتزاز الثقة في تعاملاتها الخارجية، ومن هنا جاء التحذير المشترك من المضاربات التي يقدم عليها مغامرون في استغلال سندات الخزينة متوسطة المدى.‏

فالأمر داخل القارة العجوز بدأ يلقى استجابة عملية من خلال الدعم والمراقبة الدقيقة، ولكن ماذا سيكون عليه الحال في «وول ستريت» التي شاركت في تغطية قروض الحكومة اليونانية والتستر عليها مقابل تحقيق ارباح لم تتجاوز 300 مليون دولار بدءاً من عام 1991.‏

والملاحظ أن الادارة الأميركية لم توجه لوماً أو عتباً للمؤسسات الأميركية ذات العلاقة، فيما كان الموقف مختلفاً عند بدء سلسلة الانهيارات المالية التي صاحبت أزمة الرهون العقارية داخل الولايات المتحدة ، والتي امتدت إلى عواصم العالم كلها، وإن بنسب متفاوتة، وكانت شريكاتها الأوروبيات الاشد تأثراً!‏

وينتظر بابندريو الحصول على دعم ما من الشركاء الحقيقيين في الأزمة، والمتسببين الفعليين في سترها طويلاً، وسيكون جوهر النظام الليبرالي على المحك في التعامل مع هذه الأزمة الدولية التي تعكس مدى قدرة «النظام الحر» على الاستجابة والمشاركة لحلها، فإما التزام يبقى الإيمان بجدواه قائماً، وإما الدخول في فقدان الثقة مع الأوروبيين، وأعتقد أن الاحتمال الثاني سيكون صاحب الحضور الفاعل!؟.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية