تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


جداريات

ملحق ثقافي
2/ 3 / 2010
وليد إخلاصي قادتني أحلامي، في واحد من المنامات إلى مشهد تراءى لي وأنا ألمح باباً في سور حلب القديم، وكان اسمه «باب الجمر».

وفي الحقيقة إن أبواب السور في تسمياتها لم يكن هناك باب اسمه باب الجمر، ولكن ما حدث لهذا الباب أن دفع بي بعد الاستيقاظ إلى التفكير به ومحاولة البحث عنه في رواية هي التي شرعت في كتابتها. ولم تمض أيام حتى باتت خطوط الرواية واضحة لي، وهكذا كانت الرواية.‏

ويبدو أن جذور الفكرة قد رافقتني منذ سنوات طويلة تسبق ذلك المنام، وهي التي ابتدأت منذ لحظات دخول زوجتي إلى مشفى التوليد، والتي عانت من صعوبة في الولادة لخطأ ارتكبته الممرضة التي أعطت زوجتي حقنة تحفز تسريع الولادة مما جعل الحبل السري المائي للجنين يواجه خروجه إلى الهواء. وهكذا وضع الجنين في حاضنة الأكسجين. وكنت أراقب ابني لساعات قضى نحبه بعدها. كان الوضع غير عادي برأسه الضخم ووزنه الذي تجاوز وزنه الخمسة كيلوغرامات، وهكذا ظلت صورته لسنوات طويلة.‏

وبتأثير ساحر للرواية التي بدأت تتشكل ظهرت الشخصية المحورية التي اخترت لها اسم «محبة الجمر» من بعد انتظار أهله لمجيء طفل هو آخر العنقود لسلسلة من البنات. وابتدأ محبة في العمر بشكل غير اعتيادي، وتكلم في المهد. وإذا ما بلغ سنواته الأولى حفظ شعراً، وإذا ما أصبح في العاشرة من العمر بات كشاب جميل وقعت الصبايا في حبه.‏

والشخصية الروائية الثانية رجل اسمه «الصالحاني» وكان يبحث في الحي عن باب في السور المتهدم اسمه «باب الجمر» وكان الصالحاني الوحيد الذي سمح له مقابلة محبة الجمر. وهكذا قام الرجل الغريب بمساعدة الصغير فعلمه القراءة والكتابة ولازمه في نشوئه ليتحول الاثنان إلى أصدقاء بالرغم من تباين عمريهما.‏

والشخصية الثالثة في الرواية هو «الراس». فالهارب من الجيش الانكشاري تحول إلى زعيم عصابة هاجمت المدن لتستقر في كهف يطل على مدينة حلب. وتتعاقب الأحداث فيصبح الزعيم يسمى بالراس ويسيطر على المدينة، ويتناسل أولاده فيكونون أسراً سيطرت على مراكز في المدينة. وبات الراس الذي بلغ من العمر ما ينوف عن الثلاثمئة سنة محجاً لمجلس زعماء الأسر التي تقدم له الطاعة بينما تجتمع في قصره عند أول أيام المواسم الأربعة، وكانت في اجتماعاتها تقرر مصير المدينة. وهكذا تحولت الرواية إلى قطبين، يقف محبة الجمر في الأول، وأما الآخر فيكون فيه الراس وأسره.‏

وكنت أسعى إلى كتابة أسطورة معاصرة تظهر فيه قوتان، الأولى تتعلق بالفساد الذي أنجبه الراس، والثانية ستكون في إزاحة اللثام عن أهمية المعرفة والحكمة التي ظهرت عند محبة الجمر، وقد طبعت الرواية في العام 1985، إلا أنني تخيلت أنها قد تساهم في العودة إلى مبدأ الأدب في علاقته بالأسطورة، وبظني أن نبع الأساطير هو أهل الفنون جميعها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية