|
ملحق ثقافي كتب في ورقة مهترئة عن أحلامه المُغتصبة، ثمَّ علّق تلك الورقة على زجاج نافذة مسجونة، في غرفة محكمة الإغلاق، منذ بواكير ثورة الجوع الأولى، ثمّ ارتدى معطفه، وغادر الفوضى إلى الجحيم. ـ الرابعة فجراً: امرأة عجوز تتوضأ، تتمتم بأدعية منذ نصف قرن أو أقل كثيراً.
ـ السادسة صباحاً من يوم عاصف: سرير مزدوج.. يتمطى في قسم منه جسد شبق، في القسم الآخر من السرير حماوة فرن، وحرارة آب، وعطر ما زال ينبعث من نافذة للشهوة، تفتح في الليل دوماً.! في محطة القطار تصافحا، فيما الابتسامة الباهتة، كخريف موحش تعلو الشفاه. عاد المسافر مات المسافر.! آلا يكفي هذا.؟! ـ أمكم هي السبب.! يبربر والدي. ـ وهل سرقت أمي التفاحة؟ أقول له. ـ أنت ابن عاق، اخرج من بيتي حالاً، إياك أن تعود إلى هذا البيت مرة أخرى.! ـ ما فعلّته أمي تفعله كلّ امرأة مطلقة، ومن حقها أن تهنأ قليلاً في خريف عمرها، مع رجل يسترها، بعد أن أوصدتَ جميع الأبواب في وجهها. أنت مثلاً... لماذا خنتها وتزوجتَ ثانية.؟ لقد لملمتكم من الشارع، نظفتكم، وكبرتكم.! و.... اخرج من بيتي حالاً. كانت هذه هي آخر جملة سمعتها من والدي، وهو يتشدق بشكل يومي ـ دون أن يمل ـ بطردي من الجنة الموعـودة.! طاعة خرساء طلب منها أن تحبه كما هو، أن تعشق كلّ ما يقوم به، وما يفعله معها أيضاً، مردّداً أمامها دوماً: “إن المحب لمن يحب مطيع.” وكانت كما يريد منها أن تكون: مطيعة، ساكتة، وراضية.! عندما نبهته ذات يوم إلى خفوت محبته لها، إضافة إلى تغيبه عن البيت ساعات طوال دون أن تعرف فيها أين يكون، فضلاً عن عدم مداعبته لطفلهما الوحيد، و... الاهتمام بِعشهما الزوجي. ردَّ عليها ثائراً كثور هائج، ورقص حاجباه غضباً: منذ متى ـ أيتها الخرساء ـ تسألينني عن أمور لا تخصك، ألم أقل لك ذات يوم: “إن المحب لمن يحب مطيع.؟” هي وهو هي: أبحث عن رجل يشعل شمعتي التي أطفأها الآخرون برمادهم. هو: أبحث عن شمعة لم تتأوه بعد. هي: قرأتْ أفكاره.. هو: وجدَ ضالته.. ـ بعد أن أمضيا بصحبة بعضهما بعضاً ساعة في شقة مفروشة: هو: قرأ أفكارها.. هي: لم تجد ضالتها.! ملجأ.! كتب الشاعر في دفتر مذكراته: سأنتحر.. يجب أن انتحر، كلّ الشعراء الكِبار أنتحروا في أوج عطائهم.! قفز إلى دفتر مذكراته آخر بيت من آخر قصيدة له: ـ وأين ستتركني، لماذا خلقتني.؟! غابة الأحلام في حقيبتي طيفُ زائرٍ وصورة أمي وشتلة حُب.. أمي في الصورة تنتظر زائراً هو أنا وأنا منفي في غابة الأحلام الصورة شتلة حُبٍ. |
|