|
شؤون سياسية ولكن الحقيقة أن القرار كان متوقعاً تماماً بصرف النظر عما إن كان الرئيس أوباما ذاته (مؤمناً) بالمبررات التي ساقها وهي المبررات المكررة عدة مرات منذ فرض إدارة بوش العقوبات (الأحادية الجانب) على سورية, علماً أن العقوبات الأميركية الأحادية تطال نحو ثلث دول العالم بطريقة أو بأخرى. كان القرار متوقعاً تماماً في ظل الحملة الجنونية المسعورة ضد سورية وفي حمأة (ضجة سكود) وتعبيراً عن الهروب إلى الأمام في معركة فرض الإرادات وإثبات قدرات اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة. العجيب أن الرئيس أوباما وإدارته كررا مقولة: إن سورية تشكل خطراً على الأمن القومي الأميركي وإن سورية (ترعى الارهاب وتحتضن المنظمات الإرهابية) والمقصود منظمات وفصائل المقاومة الفلسطينية التي ترفض التخلي عن حقوقها المشروعة في الكفاح من أجل التحرير والعودة وازهاق باطل الاغتصاب والعدوان والاحتلال، وأعجب ما ورد في التفاصيل أن امتلاك سورية أسلحة بعينها تهديد للأمن القومي الأمريكي - اضافة إلى ترديد ترهات تل أبيب بشأن ملف سوري نووي- وتحاشً لإدانة القرصنة الصهيونية في (دير الزور)- فجاء الرد على طريقة (ضربني وبكى.. وسبقني واشتكى). نحن نفهم تماماً دواعي قلق تل أبيب من رفض سورية وفصائل المقاومة الفلسطينية الانحناء أمام إرادة العدوان والقهر والسلب والتسليم بضياع فلسطين ولكننا لا نفهم كيف أن مثل هذا الموقف بات تهديداً للأمن القومي الأمريكي بل هو (تهديد دائم) بحسب ماورد في قرار تمديد فرض العقوبات على سورية. هل تمتلك سورية مئات من الرؤوس النووية والصواريخ عابرة للقارات التي يمكن أن تصل مدياتها إلى لويزيانا وواشنطن ولوس أنجلوس مثلاً؟ أم إن امتلاك القدرات الدفاعية والردعية حرام علينا- نحن العرب- مادامت دولة الاحتلال والاغتصاب تشعر بأنها مهددة بمثل هذه الأسلحة؟ التفسير المنطقي الوحيد للغضب الأمريكي الدائم على بعضنا العربي الرافض للمهانة والاستسلام هو أن الإدارات الأمريكية تنطلق من أن أمن اسرائيل جزء لا يتجزأ من أمن الولايات المتحدة بل كانت له الأولوية على ما عداه، علماً أن من يهدد أمن العرب والمنطقة والعالم هم أولئك الذين يصمتون على امتلاك تل أبيب لأكثر من مئتي رأس نووي ويرددون صدى صراخها الهمجي ويصرون على أن يقبل العرب بهذا الواقع مع تعهد شفهي بأن يفتح الملف النووي - من أجل البحث- بعد عقد (اتفاقية سلام مع العرب كلهم) وهات زمناً وهات انتظاراً وهات إرادة صادقة من تل أبيب بالانسحاب الفعلي على الأقل من جميع الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967 وفي مقدمتها القدس والجولان وبقايا الأراضي اللبنانية المحتلة أو عليك أن تقتنع وتسلم بعلمية وضرورة وضع العربة أمام الحصان.. على وفق هذا المنطق المقلوب. المثير فعلاً هو أن الادارة الديمقراطية تواصل تطريز وحياكة ما حاكته سياسات الادارة الجمهورية، إدارة المحافظين الجدد وتضيف إليها ما يؤكد صدقية وجدية سعيها إلى المحافظة على أمن المحتلين واعتبار أمنهم من أمن الولايات المتحدة ذاتها أو حتى هو أكثر حيوية والأغرب هنا أن تكون هذه الادارة ذاتها (راعية المفاوضات - المباشرة أو غير المباشرة) بين السلطة والمحتلين.. وهي تتعمد أن تتعامى عن رؤية كل الجرائم التي يقترفها الاحتلال ضد أهلنا في الضفة والقطاع وفي القدس والسعي إلى ترانسفير جديد يطال أكثر من سبعين ألفاً من الفلسطينيين بموجب القرار العنصري المرقم (1650) إلى جانب تجاهل تل أبيب القرارات الدولية وإرادة المجتمع الدولي وحتى أحكام المحكمة الدولية ضد جدار الفصل العنصري وتعمد إغفال تقرير القاضي غولد ستون بشأن جرائم الحرب الصهيونية في قطاع غزة. انحياز الادارة الأمريكية المطلق للمحتلين الصهاينة لا يمكن تبريره اليوم بمقولات (قرب موعد إجراء الانتخابات النصفية للكونغرس) وحاجة ادارة أوباما لأصوات اللوبي اليهودي (المركز في أيباك). مشكلتنا مع الادرة الأمريكية يمكن تلخيصها بالآتي: هناك من يريد اقناعنا بأن من احتل العراق ودمره دون مبرر يمكن أن يحرص على أمننا وعلى حقوقنا في فلسطين والجولان وجنوب لبنان. مشكلتنا أننا لا نصدق مثل هذه التبريرات الخاسئة، فمن كان ضدنا في العراق لا يمكن أن يكون مع حقنا في أي بلد عربي ومن يسند المحتلين ويجعلهم فوق المساءلة وفوق القانون الدولي وبمنأى من العقاب لا يمكن أن يكون وسيطاً نزيهاً بيننا وبينهم. العرب كلهم لا يشكلون ولم يشكلوا يوماً أي تهديد جدي (عسكري أو سياسي أو اقتصادي) للولايات المتحدة ولكن السياسات الأمريكية- المتصهينة دفعت دائماً الإدارات الأمريكية إلى ما يدعونا إلى مواقف الدفاع عن حقوقنا وحرياتنا وأوطاننا وبكل الوسائل الممكنة وفي مقدمتها رفض الخضوع لمنطق القوة والعنجهية والقسرية والضغوط وفرض العقوبات. ومع ذلك فلأننا عن حقنا ندافع ولا نتنازل تنظر إلينا الادارات المتعسفة على أننا نشكل تهديداً لأمنها القومي فتحرض ضدنا وتستعدي وتتكالب لكي ينسى العالم أن اسرائيل هي الخطر الداهم الفعلي على أمن المنطقة وسلام العالم كله بتجاهلها القرارات الأممية وامتلاكها أسلحة الدمار الشامل وتهديدها باستخدامه وبدعم من قوى كبرى وفي طليعتها القوة الأعظم في عالم أحادي القطبية مع الأسف. |
|