تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الســـــلام بالقــوة

هآرتس
ترجمة
الأحد 9-5-2010م
ترجمة : ريما الرفاعي

«لا يمكننا أن نسعى للسلام أكثر من الأطرف المعنية ، ولا يمكننا فرض السلام بالقوة»، مثل هذه الكلمات ما يتردد دائما على لسان الزعماء الامريكيين .

واذا كانت الولايات المتحدة لا يمكنها فعلا أن ترغب في السلام اكثر من الطرفين، فلماذا كل هذه الضجة إذن؟ ثم من هي هذه الاطراف التي تقصدها الادارة الاميركية بالضبط ؟ أليست واشنطن نفسها أحد هذه الاطراف ؟ وألا يوجد لها مصلحة استراتيجية في السلام بين اسرائيل والعرب؟ ومتى بالضبط تكون هذه المصلحة أمريكية ومتى تكون فقط مصلحة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي؟ متى تكون الولايات المتحدة شريكا ومتى تكون مجرد وسيط ، يسعى ربما لقبض ثمن وساطته أو أن يدفع هو ثمن هذه الوساطة؟‏‏

في الحقيقة إن الولايات المتحدة ليست وسيطا حياديا يقدم فقط خدماته الطيبة، مثل طاولة للمفاوضات وضيافة خفيفة وموسيقى خلفية. انها طرف منخرط ولها مصالح، وهي قوة عظمى لها مكانتها في الشرق الاوسط وفي العالم تستند الى قوتها العسكرية والاقتصادية من جهة وعلى قدرتها على تحويل هذه القوى الى فعل سياسي، فتحدد جدول الاعمال العالمي، وتحقق شرعية لادارة الحروب واحلال السلام من جهة أخرى.‏‏

إن الولايات المتحدة ترسم خارطة التهديدات في العالم، من ايرإن وافغانستان، مرورا بالصواريخ النووية في روسيا وحتى منظمة القاعدة في اليمن، وهي تجند دول العالم، والرأي العام العالمي في المعركة ضد هذه التهديدات. كما أنها هي التي أدرجت النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني في خارطة التهديدات هذه، وخلافا لشعاراتها تلك ، فإنها بالفعل تفرض حلا سلميا على الطرفين .‏‏

يمكن لنا أن نجادل في اسلوب وفي رؤيا واشنطن، لكن السؤال حول ما اذا كان من الحكمة ألا نرى في سياسة واشنطن سوى انتقادها للبناء في شرقي القدس أوتصرفها مع نتنياهو وكأنه محتال غير مرغوب فيه. ومثل هذا الموقف يتجاهل التصميم السياسي لباراك أوباما ولا يقدر المخاطرة السياسية التي يأخذها على عاتقه عندما يخرط بهذا القدر في عملية السلام وحيث تكون اسرائيل هي الرافضة للسلام.‏‏

إن الولايات المتحدة لا تفعل هذا من أجل «الطرفين»، وإن بدا للوهلة الأولى، النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني ليس تهديدا استراتيجيا. فإذا ما قتل عدة إسرائيليين أوفلسطينيين في حال اطلقت عدة صواريخ قسام أخرى في الجنوب أوالكاتيوشا في الشمال، فإنه لن تنهار اي دولة وبالتأكيد لن تنهار الولايات المتحدة. كما إن حل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني لا يمكنه أيضاً وقف السباق نحو النووي من جانب ايران أوأن يقنع الباكستان أوالهند بالتوقيع على ميثاق منع نشر السلاح النووي. وسورية لن تقطع علاقاتها مع ايران حتى لو اعترفت اسرائيل بحماس. لكن النزاع يصبح تهديدا استراتيجيا عندما يضع في خانة الخطر مكانة الولايات المتحدة، وعندها يكون هذا هو التهديد، لا يمكن لواشنطن فقط أن تترك الطرفين يسعيان للسلام وأن تنظر هي دون اكتراث كيف يقضم احدهما لحم الاخر . ليست كرامة أوباما الخاصة هي الموضوعة على كفة الميزان، ولا المساعدة الامريكية الهائلة لاسرائيل، هي التي توضح للولايات المتحدة اثناء الاختبار إن ليس فيها ما يساعدها في توجيه سياستها.‏‏

إن اسرائيل تتحدى اليوم مكانة الولايات المتحدة الاستراتيجية في العالم. وهذا تحد يخرج عن مسألة سيادة اسرائيل حيال قوة الولايات المتحدة. ولشدة السخافة تتنافس اسرائيل هنا مع نفسها لإن مكانة الولايات المتحدة في العالم هي أساس حيوي في قوة اسرائيل، وعندما تكون هي مستعدة لأن تدمر هذا الأساس لصالح المستوطنين الزعرإن في شرقي القدس أوفي البؤر الاستيطانية العشوائية، فإنها تعرض مواطنيها للخطر.‏‏

وازاء هذا الغباء الإسرائيلي لا يمكن لواشنطن أن تهز كتفيها بعدم اكتراث. فهنا ثمة مصالح أميركية مباشرة تتعرض للخطر . فكيف إذن سوف يتصرف أوباما تجاه الحكومة الرافضة لجهوده في اسرائيل؟ هل يتراجع عن مطلب تجميد البناء؟ هل يضع أمام اسرائيل خطة عمل ملزمة للسلام مع الفلسطينيين؟ وباختصار، هل سيكرر مرة أخرى العرض المعروف منذ عهد وزير الخارجية جيمس بيكر، حين غادر اسرائيل تاركا خلفه رقم هاتفه؟‏‏

لقد تعلم العالم منذ زمن أنه حين ترسم الولايات المتحدة خارطة مصالحها، فإنها تكون مستعدة أيضاً لأن تستخدم جيشها من أجل تحقيقها. اذا لم يكن السلام بين اسرائيل والفلسطينيين مصلحة امريكية حيوية لدرجة يكون من المبرر فيها فرضه على الطرفين، فينبغي أيضاً ذلك لهما كي لا يعلقا آمالا أكبر مما ينبغي على الخطوات الامريكية أو يأخذا الانطباع بأن الضغط الذي تمارسه واشنطن على هذا الطرف أو ذاك هو مجرد مسرحية.‏‏

 بقلم: تسفي بارئيل‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية