تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الترجمة الآلية والرقمية .. هـــــل تكســـــر الحاجــــــز اللغـــــوي بيــــن العالـــــم؟

ثقافة
الأحد 9-5-2010م
فادية مصارع

«فلنترجم» صرخة تضمنتها مقالة لميخائيل نعيمة في أوائل القرن الماضي وقد تأخرت قراءتها نحو قرن من الزمن، وهو ما كان ليحذر من خطر التقاعس عن الترجمة إلا حين اكتشف حجم ما نعانيه من تراجع في معرفة علوم وآداب وثقافات الآخر الذي تمكن منا عندما ترجم معارفنا وآدابنا وحتى عاداتنا،

ونعيمة كان يريدنا أن نترجم ولا نفكر ماذا نترجم لأن كل ما سيتم تحويله إلى لغة الضاد ستتم الاستفادة منه مهما وماذا كان.‏

فقد ترجم الغرب أنفس ما لدينا من كتب وهي الآن عندهم من أشهر الآثار، وفي الترجمة نخرج من قمم الذات إلى سماء الوجود لأنها انفتاح على الآخر ومعرفة وحياة جديدة.‏

وحسب رأي د.حسام الخطيب كانت الترجمة وربما لا تزال شبه سائبة يختلط فيها الحابل والنابل ونفتقر إلى معايير للتقييم سواء من ناحية الأمانة العلمية أم السلامة اللغوية للغة الهدف وهي غالباً العربية.‏

ولا نستطيع أن ننكر بأن قفزة مذهلة قد حصلت من خلال تعدد مراكز الترجمة ومؤسساتها في الوطن العربي، وكأن العرب أدركوا أهمية الترجمة وبدؤوا يتنافسون على افتتاح المراكز وإنشاء دبلومات الترجمة في الجامعة، لكن دون أي اهتمام بالتنسيق أوالتكامل أوتجنب تكرار الجهود والتمويل للهدف الواحد.‏

الترجمة الآلية‏

فإذا كان هذا حال الترجمة البشرية فما حال الترجمة الآلية؟ وهل استطعنا أن نلحق بالتطور المعرفي والتقني والفكري لنجاري الآخر ونثاقفه؟‏

يبين د.الخطيب أنه ومن خلال مسعى متواضع لمتابعة التطورات المتسارعة في مجال الترجمة الآلية حصلت نقلة نوعية وهي الاعتماد على الترجمة الرقمية والإحصائية لتجنب صعوبات الالتواءات اللسانية واللغوية التي تعج بها لغات العالم وتعترض مسيرة الترجمة الآلية التقليدية، وقد برزت مجدداً محاولات للجمع والتوازن بين هذين المجالين اللغوين، وإن كانت ما زالت في مهدها مع بروز مشروعات تطورات متلاحقة في مجال الترجمة.‏

الترجمة الرقمية‏

ظلت معظم أنظمة الترجمة الآلية حتى مطلع القرن الحالي تعمل من خلال الكلمات المفردة أو تستخدم مجموعات معقدة يقوم اللسانيون بإعدادها وترميزها دلالياً وتركيباً ونحوياً وهي عملية معقدة ومكلفة وبطيئة التطور إلى أن ظهرت تقنية الحائك اللغوية الثلاثية التي بدأت بخمسة وثلاثين فنياً وهي تستخدم الترجمة البشرية أساساً للآلية معتمدة على وثائق الأمم المتحدة المترجمة واستناداً إلى عملية المقارنة وذلك باختيار مقطعين من لغتين في موضوع واحد وتنسيقها في اصطفاف كل عبارة مقابل عبارة نظيرة من خلال ترميز رقمي نتعلم البرمجيات كيف تنتقل من أنموذج لغوي إلى نظيره في اللغة المستهدفة، وهذا يعني أن النظام المعتمد يترجم العبارات ضمن سياقها في اللغة المرسلة وليس المفردات من لغة إلى أخرى، وتقاس كفاءة الترجمة الرقمية بعدد وحدات الكلمات التي يتعامل معها النظام والتي تعتمد أصلاً على ترجمة بشرية ذات مستوى معترف به وذلك بعد إعدادها بترتيب نوعي يناسب الهدف المقصود ويعد هذا النظام أبسط ما عرف في الترجمة الآلية من أنظمة.‏

ويشير د.حسام الخطيب أنه حتى الآن ما زال هذا النظام الإحصائي يتطلع إلى مضاعفة سرعة الأداء ليتناسب مع الحاجات العصرية المتزايدة، وإذا كان برنامج «الحائك اللغوي» يستطيع أن يترجم من خلال حاسوب شخصي خمسة آلاف كلمة في الدقيقة على مستوى من الدقة ،فإن شبكة المخدمات تستطيع أن تترجم على النحو نفسه 500 ألف كلمة في الدقيقة.‏

وبفضل هذا النظام لن يفقد المترجمون البشريون وظائفهم وفي الوقت نفسه تزداد الحاجة إلى مترجمين في أعلى مستوى من الإتقان لتكون ترجماتهم أساساً للمطابقة التي يقوم بها الحائك اللغوي ويختزلها وينطلق منه إلى لغات أخرى، أي أنه مقيد بطبيعة النصوص التي يتغذى بها وتبقى هناك شكوك كثيرة حول دقة مثل هذه الترجمات ولكن التغذية الراجعة من قبل المؤسسات الأمنية ساعدت على التقاط معلومات ذات أهمية خاصة وفي الوقت المناسب.‏

وتترجم برمجيات «الحائك اللغوي» من وإلى الانكليزية وتتصدر اللغة العربية قائمة اللغات تليها الصينية والإسبانية.‏

ويبين د.حسام الخطيب في بحثه عن الترجمة الآلية والرقمية، أن الاستفادة الفعلية من الحائك اللغوي بدأت في عام 2003 وتطورت عنه آلات جديدة مثل: المترجم الفوري النقال الذي يستخدمه الأطباء والمرضى في حالة اختلاف اللغة إلى جانب أدوات عملية ناطقة في مجالات مختلفة مثل الترجمة من الكلام المنطوق المذاع إلى وثيقة تحريرية.‏

ولا تزال التجارب الترجمية الناجحة من خلال «الحائك اللغوي» وغيره من التقنيات تتطور باستمرار وتقيم بشكل مؤسساتي دقيق ويبدو أن نصيب اللغة العربية فيها حسن من الناحيتين الكمية والكيفية إلا أن التقدم الملموس يكاد يكون محصوراً بالعربية حين تكون لغة المصدر المرسلة وليست لغة الهدف في مجال الترجمة من العربية إلى الانكليزية وليس العكس.‏

وهذه النقطة -حسب الخطيب- لا تخدم العربية ولا ترجمة العلوم إلى العربية، لأن الانتاج العلمي العربي لا يزال مستورداً لا مصدراً، كما أن معظم اللغات الآسيوية تعاني من المشكلة ذاتها بسبب اختلاف تركيبتها عن اللغات الأوروبية وهو ما يؤخر استخدام الترجمة الآلية بوجه عام في المجالات العلمية والمجالات التي تحتاج إلى دقة فكرية. ومع ذلك يرى د.الخطيب أن عالم التقنية الرقمية بوجه عام والترجمة الرقمية بشكل خاص أداة من أدوات بناء مستقبل عالم بلا حدود.‏

وتبقى الترجمة البشرية المرجع النهائي في تحديد صلاحية الترجمة الآلية، لكن ليست تلك التي تجور على النصوص وتمضي دون معيار متفق عليه أي ليست التجارية التي تعج بها أسواق المكتبة العربية، حيث تمضي الترجمات دون أي تحكيم أو معيار يميز بين الغث والسمين.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية