تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هل يمسح حكم الإعدام بصمات بن سلمان عن مقتل الخاشقجي؟

دراسات
الخميس 26-12-2019
ترجمة: ليندا سكوتي

إن كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يخال أن الحكم بالإعدام على خمسة من العملاء جراء مقتل الصحفي المعارض جمال الخاشقجي ستسدل الستار عن هذه القضية فإنه مخطئ بحساباته،

ذلك لأن عملية القتل الوحشي في القنصلية السعودية في إسطنبول شهر تشرين الأول السنة الماضية قد عرّت المملكة وتسببت بأذى دائم لمكانتها العالمية، وألحقت الضرر بالسمعة الشخصية لابن سلمان.‏

في المحصلة فإن عملية القتل برمتها أساءت لسمعة السعودية، إذ إن رائحتها النتنة لن تختفي وعبقها الكريه لن يتبدد بمحاكمة صورية لا تنضوي إلا على القليل من الإجراءات القانونية الصحيحة، وبناء عليه ستبقى تلك الجريمة المريعة لطخة يتعذر إزالتها في ضمير آل سعود.‏

تفتقر المعاملات التي أقرتها المحكمة الجنائية في الرياض للمصداقية منذ البداية، فقد أصدرت ما مجموعه ثمانية أحكام إدانة يوم الاثنين، وجرت المحاكمة في أجواء من السرية التامة ما يقوض الثقة بتلك الأحكام ويثير الشكوك بأن المتهمين بعملية القتل هم أشخاص انتهى دورهم.‏

وتتزايد هذه الشكوك جراء إطلاق سراح كبير مستشاري الأمير السابق سعود القحطاني دون توجيه أي اتهام له، علماً أن نائب المدعي العام السعودي شعلان بن راجح شعلان قد قال في وقت سابق أن القحطاني شارك في مناقشات تتعلق بالخاشقجي مع فريق من العملاء الذين تم إرسالهم إلى إسطنبول.‏

وقال المدعي العام أن القحطاني كان قد تعاون أيضا مع نائب رئيس الاستخبارات السعودي أحمد العسيري الذي وجه بترحيل الخاشقجي قسراً من تركيا، وقيل في تلك الأثناء أن أعضاء فريق الخطف هم مجموعة من (الزعران) الذين قتلوا الخاشقجي.‏

لقد جرى نقل كل من القحطاني وعسيري وأُسندت إليهما مناصب أخرى، ومَثُلَ القحطاني للمحاكمة لكن في يوم الاثنين قال شعلان أنه جرى الإفراج عنه لعدم كفاية الأدلة، وعلى غرار ابن سلمان أنكر الرجلان مسؤوليتهما الشخصية عن مقتل الخاشقجي، وفي مقابلة صحفية مع قناة سي بي إس شهر أيلول قال ابن سلمان: (إنها جريمة نكراء، لكنني أتحمل المسؤولية الكاملة كزعيم للمملكة السعودية، ولاسيما أنها ارتكبت من قبل أشخاص يعملون لصالح الحكومة السعودية). وعندما سئل إن كان قد أعطى الأوامر بالقتل، فأجاب (بالطبع لا).‏

تبدو تلك الأحكام مُرضية بالنسبة للشخصيات الملكية السعودية البارزة بغية حفظ ماء وجههم، إذ سيدعي النظام القائم بإرساء العدالة تحديد الجناة وإدانتهم، وبالنظر لما جرى: فإن أحكام الإعدام تعد تمهيدية، وربما يصار إلى استئنافها أو تعديلها أو تخفيفها في وقت لاحق في المستقبل وذلك عندما يكف العالم عن مراقبتهم.‏

لكن تقريراً نشرته المقررة الخاصة في الأمم المتحدة شهر حزيران، التي تتسم بالاستقلالية والنزاهة، عثر على (أدلة موثوقة) تتعلق بمسؤولية ساسة سعوديين رفيعي المستوى عن عملية القتل، ومنهم ولي العهد.‏

وصرحت المقررة أنيس كلامارد أن مقتل الخاشقجي تعد عملية خارج نطاق القضاء، وأن التحقيق الذي أجرته السعودية وتركيا لا يتناسب مع المعايير الدولية، ومضت قائلة إن السلطات السعودية مازالت متورطة في عرقلة العدالة وطالبت بتعليق المحاكمة، وقد قوبلت النتائج والتوصيات التي توصلت إليها الأمم المتحدة بالرفض من قبل الرياض.‏

يبدو أن كلامارد لم تكن وحيدة في شكوكها، وفي الواقع، فإن وكالة الاستخبارات المركزية ذهبت أبعد من ذلك، علماً أن ليس لديها مصلحة بإحراج حليف أميركا في الشرق الأوسط وشريكها التجاري، وقد عبر ساسة أميركيون عن ثقتهم التامة بنتائج وكالة الاستخبارات السنة الماضية، والتي تشير إلى أن ابن سلمان أوعز شخصياً بالقتل، تلك النتيجة التي قالوا إنها لاقت تأييداً من عدة مصادر، وأشارت الوكالة مراراً وتكراراً إلى ضلوع خالد بن سلمان الذي يتولى منصب نائب وزير الدفاع. وقيل إنه (اتصل بالخاشقجي وطلب منه الذهاب إلى القنصلية في إسطنبول وأكد له أنه إجراء آمن) كما ذكرت واشنطن بوست أنه من غير الواضح إن كان خالد على علم أن الخاشقجي سيقتل أم أنه أجرى المكالمة بناء على توجيه من أخيه.‏

يعد دونالد ترامب أحد الأشخاص القلائل المؤمنين بالرواية السعودية الرسمية لمجريات الأحداث، وحتى لو كان (ترامب) يدعي بصدق تلك الرواية فإنه ضمنياً يعلم الحقيقة، ذلك لأنه قد أعلن على الملأ بأنه لن يسمح لفضيحة الخاشقجي أن تعكر صفو علاقته وعلاقة واشنطن مع السعوديين والتي قوامها مبيعات النفط والأسلحة والمصالح التجارية المتبادلة والكراهية المشتركة لإيران. وبذلك فإنه لن يتورع عن النأي بنفسه عما توصل له المجمع الاستخباراتي الخاص به.‏

إن اعتقد محمد بن سلمان بأن ثمة إمكانية لجبان فاسد قابع في البيت الأبيض إصلاح سمعته المدمرة فإنه بذلك يخدع نفسه مرة أخرى. إذ إن جريمة القتل قد أفضت إلى إثارة غضب الكونغرس الأميركي على غرار ما حصل في بريطانيا وأوروبا، ويبدو أن الكثيرين يفضلون وقف مبيعات الأسلحة وفرض عقوبات على المملكة في مرحلة ما بعد ترامب، ولاسيما في ضوء انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها النظام السعودي وتوجه الأنظار إلى الحملة العسكرية الدموية التي تخوض الرياض غمارها في اليمن.‏

ما زال قتلة الخاشقجي الحقيقيون أحراراً ولا بد من مساءلتهم ومعاقبتهم، ومهما كانت الرواية التي ينشرها النظام السعودي فإن بذور الشك قد زرعت، أما بالنسبة لابن سلمان وشركاءه الذين تلطخت أيديهم بالدماء فسيجنون ما اقترفته أيديهم.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية