تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


جديد مركز دراسات الوحدة العربية.. فلسطين المحتلة.. الوجه المعكوس

شؤون سياسية
الأثنين 19 -6-2011
قراءة : مها محفوض محمد

أغمض العالم عينيه عن مأساة العصر وكل عصر.

مأساة بذرها الغرب منذ مطلع القرن العشرين وجعلها جريمة نكراء قبيل منتصفه حين زرع إسرائيل على أرض عربية بقوة السلاح وجمع فيها شذاذ الآفاق من كل مكان.‏

والمأساة تزداد اليوم بطرق مختلفة حيث تحاول الغرسة الشيطانية أن تتجذر بوسائل القمع والإرهاب ولم تكتف بما أخذته من فلسطين بل إنها تحاول كل يوم تقديم الدليل على أنها فعل احتلال يومي.‏

عن إيقاع الحياة اليومية للفلسطينيين في الأرض المحتلة يقدم لنا مركز دراسات الوحدة العربية كتاب«فلسطين الوجه المعكوس احتلال يومي». لمؤلفه سري المقدسي باللغة الإنكليزية وترجمه إلى العربية أمين الأيوبي.‏

يسلط الكتاب الضوء على معاناة الفلسطينيين على الصعيد الفردي والمهني والاجتماعي والسياسي والواقع االاقتصادي السيئ من تفكيك للبنى التحتية إضافة إلى العنف اليومي المتأصل في الاحتلال العسكري الإسرائيلي وغياب الأمن وفقدان أدنى مقومات الحياة.‏

يبين الكتاب من خلال الوقائع أنه لايوجد مكان على الأرض يمارس فيه عنف كالذي يمارسه هذا الاحتلال على أرض فلسطين وهو أطول احتلال عسكري في التاريخ المعاصر.‏

إن انعدام المساواة المنهجي والمقنن ورفع شعب فوق مصاف شعب آخر يشكل جزءاً من نسيج الحياة في إسرائيل حيك على شكل قوانين ومؤسسات عامة، وعن ذلك يشير تقرير غولدستون إلى المزايا الحصرية المكرسة لليهود في الأراضي المحتلة والمستمدة من وضعية مدنية ثنائية الطبقات في ظل نظام قانوني محلي إسرائيلي يعتمد على «قومية يهودية تمنح الأشخاص المنتمين إلى العرق اليهودي أو المتحدرين منه حقوقاً سامية وامتيازات».‏

وحشيتهم:‏

لكن العنف في غزة لم يكن على الأرجح وليد الخوف واللامبالاة والإهمال فقط ذلك أن الصحافية الإسرائيلية أميراحاس علقت على العبارات العنصرية التي كتبها الجنود الإسرائيليون في منازل العائلات الفلسطينية في غزة إلى جانب التغوط والتبول في الخزائن وفي الغسالات والثلاجات وتلويث الجدران- جاء في بعض كتابات الجدران «جئنا لإبادتكم، الموت للعرب»، كان مئير كاهان وهو منظر إيديولوجي أميركي يهودي صهيوني دعا إلى طرد الفلسطينيين جميعاً، محقاً لاتسامح جئنا لتصفيتكم.‏

كما إن القمصان التي طلبها الجنود الإسرائيليون العائدون من غزة تعبر كذلك عن احتقارهم لحياة الفلسطينيين بإظهارها أطفالاً رضعاً قتلى، وأمهات ينتحبن على قبور أولادهن وبندقية مصوبة نحو طفل ومسجداً مدمراً، وصورة امرأة فلسطينية حامل على أحد القمصان وقد رسمت خطوط التسديد ببندقية قناص على بطنها وزخرفت بشعار يقول: «طلقة واحدة وقتيلان» .‏

وسلطت التقارير التي أعدت عقب هجوم غزة الضوء على دور الحاخامية الرسمية في الجيش في غرس الاستهزاء بحياة الفلسطينيين ، وقد أدت سائر هذه العوامل فضلاً على ثقافة العنصرية المقننة على العموم في إسرائيل دوراً في مدى وشدة الضرر الذي ألحقته إسرائيل بغزة، وفي القرار الذي قضى بشن الهجوم في المقام الأول.‏

باختصار كان الهجوم على غزة تنبيهاً وتجلياً ومؤشراً على شيء موغل في الخطأ- ثقافة سياسية فعالة في عدم المساواة وفي الفكرة التي تقول إنه يمكن رفع شعب فوق مصاف شعب آخر إلى حد أن حياة الآخر تصبح بلا قيمة وتاريخه شيء ينبغي محوه وطمسه ونسيانه (شاهد المشروع الإسرائيلي الخاص ببناء مايسمى «متحف التسامح»: إنه ضريح للصهيونية في الحقيقة فوق أهم مقبرة للمسلمين مباشرة فوق القدس.‏

ويقول الكاتب في «الوجه المعكوس»: الشعور بأن هناك أرضاً يهودية بطبيعتها ملأها سكان ليسوا يهوداً ينبغي التعامل معهم كان المحرك للتخطيط الصهيوني طوال ثلاثينيات القرن الماضي ومن خلال التطهير العرقي لفلسطين في سنة 1948 ولايزال سائداً منذ ذلك الحين وهو متغلغل في الخطاب السياسي الرئيسي الأول الذي ألقاه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في حزيران 2009 عندما قال: الحقيقة هي أن في المنطقة التي تضم وطننا، في قلب وطننا اليهودي يعيش الآن عدد كبير من السكان الفلسطينيين أي أراد نتنياهو القول: نحن شعب وهم مجرد سكان يتعين عليهم الاعتراف بحقوقنا ونحن لاندين لهم بشيء بالمقابل.‏

هذا الحس العنصري بالتخويل الذاتي والتفوق الفريد هو الذي يسمح لإسرائيل باحتلال أرض الفلسطينيين وهدم منازلهم وسجن شبانهم وسحق تطلعاتهم مع الاعتقاد عن قناعة أن إسرائيل هي الضحية الحقيقية في كل ماحصل.‏

ومايزيد من أهمية هذا الكتاب، هو تلك المواكبة الرصينة التي تميز بها المؤلف للأحداث الراهنة عبر الإجابة عن أسئلة محورية تتناول الموقف من المفاوضات وحل الدولة الواحدة أو حل الدولتين ، والمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية والانقسام في القيادات الفلسطينية وسوى ذلك من أسئلة الحاضر والمستقبل المشفوعين بمرارة سني الاحتلال منذ العام 1948.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية