تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مصدات الانزياح الرجعي نحو التطبيع

شؤون سياسية
الثلاثاء 27-3-2012
بقلم: علي الصيوان

لم يغرب نجم مقاومة التطبيع برحيل البابا شنودة الثالث, بل إن إرثه المجيد باق مثل كابوس ضاغط على صدور المهرولين إلى الانسحاب من المسؤولية القومية حيال القضية القومية المركزية في فلسطين.

ربما يكون المتحكمون بالسعودية الواقفون خلف نهج الهرولة إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني, قد تنفسوا الصعداء برحيل البابا, كما تنفسوها يوم رحيل القائدين جمال عبد الناصر 1970, وحافظ الأسد 2000, لكنهم حصدوا الخيبة في رؤية الطريق معبدا إلى تل أبيب.‏

وفي التدقيق فإن خيبة الرجعيين العرب من شيوع نهج السادات جزء من خيبة صناع القرار الصهيوني في المركز الإمبريالي القائد؛ هناك في الولايات المتحدة.‏

وكلاهما, السعودية وأمريكا, تخوضان حربا متصلة على نبض الناس في دنيا العرب, الذي ينتج مصدات الانزياح الرجعي نحو التصهين.‏

في مجرى هذه الحرب لعب البابا الراحل دورا سيستمر بعده بقوة نهج المقاومة والممانعة.‏

كان القائد العظيم حافظ الأسد, سباقا في الممانعة, وكان البابا العظيم صاحب الخطوة المديدة على درب الأسد في استحضار الهم القومي إلى مقدمة أولوياته.‏

نستذكر هنا أن السادات حاجج الرئيس الأسد طويلا في 17/11/1977, بفوائد التوجه إلى “اسرائيل”, وقال الأسد “لاءه” القاضية الحاكمة بانسداد أفق الهرولة إلى التطبيع.‏

والذي حدث أن هرولة السادات إلى “اسرائيل” في ذلك اليوم المفتاحي لتظهر التناقض بين التقدم والرجعية؛ يوم 19/11/1977, قد جوبهت بـ”لا” مصرية من مؤسستين وطنيتين شفعتا البعد القومي الذي مثلته الـ”لا” السورية.‏

1-وزير الخارجية, إسماعيل فهمي, قدم استقالته فور عودة السادات من دمشق خائبا من الـ«لا» التي جلجل بها الأسد.‏

ولم يكن في وسع السادات إلا أن يعين وزيرا للخارجية يصطحبه في زيارة “إسرائيل”. فأسند المنصب للسفير محمد رياض مساء 17/11, الذي قبل التكليف, وتوجه في 18/11 إلى مبنى “وزارته” لأداء مهمة وحيدة, هي أن يسطر كتاب استقالته, في تعبير من المؤسسة الدبلوماسية صادم للهرولة الساداتية, ومنسجم مع “لا” الأسد القومية.‏

2-رفض البابا طلبا من السادات أن يرافقه إلى القدس, لتبدو مصر بجناحيها الإسلامي والقبطي, متورطة في الانشقاق عن العقيدة القومية, فما كان من قداسته إلا أن صدم السادات بالـ«لا» التي سمعها في دمشق.‏

وقبل أن يقترف السادات الانشقاق النهائي عن العقيدة القومية في 19/11, قرر, وفقا لصلاحياته الرئاسية, عزل قداسة البابا شنودة الثالث, وفرض الإقامة الجبرية عليه في دير اللطرون في صحراء مصر الغربية, ومضى إلى القدس مصفدة بأغلال الاحتلال, ضدا من مذهب البابا الذي أصدر الحرم الكنسي على رعاياه بعدم جواز الحج إليها إلا بعد تحريرها من رجس الاغتصاب الصهيوني.‏

منذئذ احتدم التناقض بين البيئة القومية الحاضنة للموقف العربي الأصلي وبين البيئة الرجعية الانشقاقية. وهو صراع سجال كالصراع مع الإمبريالية, لا يمكن حسمه بالضربة القاضية.‏

اذ إن السادات الذي عاقب قداسة البابا قبل زيارة الاعتراف الكرنفالي بـ«اسرائيل», عاد بعد الزيارة ليتوعد دمشق في حديث إلى صحيفة “الجمهورية” القاهرية 26/11/1977, بقوله: “سيسيل الدم غزيرا في سورية ولبنان”.‏

لماذا؟ بالضبط من أجل أن تتصدع جدران العقيدة القومية أمام العقيدة الانشقاقية عن المصلحة الاستراتيجية العليا للأمة العربية. وكان ثمة محوران للهجمة الانشقاقية: السلاح, وإشاعة “ثقافة” التطبيع.‏

1-نهض الإخوان المسلمون في سورية بمهمة إكراهها على الامتثال لمعطى الانشقاق الساداتي بالسلاح في زمن 1977-1982 وأخفقوا, رغم الجرائم التي اقترفوها باغتيال رجال العلم والدولة والكوادر التقدمية.‏

2-أما على محور التطبيع, فقد حققت السعودية, رأس حربة الرجعيات العربية, نجاحات للانشقاقية الساداتية, بـ«الريع الثقافي» المتحصل من الاستثمار بمئات المليارات في قطاع الإعلام, وفي حرب 1980-1988, لتغيير قواعد الاشتباك في المنطقة.‏

نشير هنا إلى تأسيس صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية المتأسرلة 1978, إلى حد إطراء تسيبي ليفني 2009 لرئيس تحريرها طارق الحميد, إضافة إلى عبد المنعم سعيد وأحمد الجاد الله وصالح القلاب, باعتبارهم أفضل سفراء لـ«اسرائيل» وراء الخطوط العربية.‏

بيد أننا في تقصي الإخفاقات والنجاحات على جبهتي الصراع السجال بين خندقي الرجعية والتقدم, نتبين أنه لم ينقطع يوما حتى في ذروة النفاق الرجعي الذي كانت السعودية تسميه “التضامن العربي”, والذي كانت سورية تعرف أنه بوابة لاستدراجها إلى الجري في الملعب الأمريكي, وتتطلع في الآن نفسه إلى صيرورته تضامنا عربيا حقيقيا كفاحيا ضد المشروع الصهيوني.‏

والذي حدث أن فاقد الشيء لا يعطيه.‏

اذ إن خيبات واشنطن والرياض المتتابعة طيلة ثلث القرن, في بلوغ مرحلة شيوع الساداتية في وطن العرب, استوجبت كسر ظهر سورية, كونها رافعة الممانعة القومية المانعة للتفريط بالأرض والحقوق.‏

والذي حدث منذ عام, على غزارة الدماء التي أريقت, هو محاولة أمريكية رجعية لتقويض مصدات الهرولة إلى “اسرائيل”, وبيد الرجعيات الإسلاموية في ليبيا ومصر وسورية, يتقدمهم الإخوان المسلمون المشهود عليهم بأنهم رجعيون بامتياز, لاسيما منذ هزيمتهم في “بالوتاج” المالكي-السباعي 1954, أمام النسيج الوطني التقدمي في سورية, أي الصرح الشامخ في مصدات الهرولة إلى التحلل من المسؤولية القومية حيال المشروع الصهيوني.‏

فتحية إجلال إلى قداسة البابا الراحل الذي قضى وهو يذود عن صرح الوطنية المصرية, بالمواطنة التي تصون السيادة, وتسمو على التشرذم, بوابة الهرولة إلى التطبيع.‏

Siwan.ali@gmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية