تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الخادمتان.. رحـــــلة في عوالــــم جينيـــه

مسرح
الثلاثاء 27-3-2012
كتب جان جينيه نصّ «الخادمتان» عام 1947. ومنذ ذلك الحين, ما زال يشغل المسرحيين، ويعرض على خشبات المسرح حول العالم وكان جواد الأسدي أحد روّاد المسرح العربي الذين وقعوا في سحره.

‏‏

في عام 1995أنجز جواد الأسدي عرضين مختلفين، لمسرحية «الخادمتان» أدت يومها دور الخادمتين كلير وصولانج ممثلتين لبنانيتين رنده الأسمر وجوليا قصار،‏

وبمناسبة الاحتفال بمئوية جان جينيه (1810 ـــ 1986)، أعاد الأسدي مسرحة «الخادمتان» دون الممثلة المخضرمة رينيه ديك لأنه لا أحد يستطيع تأدية دور السيدة لهذا اختفى دور السيدة من الرؤية الإخراجية.‏

اليوم يستعيد الأسدي نسخته الثانية من (الخادمتان) على خشبة مسرح بابل في عروض 8 نيسان المقبل, غياب السيدة كشخصية عن الخشبة أضفى بعداً درامياً شبيهاً بسيطرة شبحها على العرض، كما أبرز العلاقة المعقدة التي تبنيها الطبقات الاجتماعية فيما بينها. وبيّن المازوشية الكامنة في شخصية الخادمتين، وأظهر ضعفهما وترددهما أمام قرار الخروج من الحضيض.‏

جعل المخرج من غياب السيدة وسيلةً لمحاكاة تحوّلات الراهن، في زمن لم يعد هناك ملك أو سيد، أو ديكتاتور محدّد لتثور عليه. لقد تحوّل السيد إلى نظام متكامل لا ينتهي مع رحيل الرأس فقط. هكذا وجدت الخادمتان نفسيهما في مواجهة شبح السيدة، عاجزتين عن قتلها. عجزهما هذا سيقودهما إلى الانتحار.‏

هل السيدة هي صوت القطار الآتي من بعيد؟ هل هي معطف الفراء، أم الكعب العالي الذي تنتعله كلير عندما تريد أن تلعب دور السيدة؟ أم مساحيق التجميل والمروحة، والشعر المستعار؟ إنّها كل تلك الأشياء، لأنّها أصبحت موجودة في تفاصيل عالم الخادمتين، وتسرّبت حتى إلى خصلات شعريهما وثيابهما الممزقة.‏

في النسخة الأولى عام 1995، لجأ الأسدي إلى خيار سينوغرافي. جعل المسرح كلّه غرفة للسيدة، محاطة بالخزائن والثياب والمجوهرات، كأنّه غرفة خشبية مغلقة. الغرفة فسيحة، لكنّها تشعرك أنّ العالم ينتهي داخلها. هذه المرّة، تخلّى الأسدي عن واقعيّة الخيار الأوّل من خلال خلق فضاء جديد ضيّق تحت غرفة السيّدة، ألا وهو مساحة الخادمتين السفلية. هو الحضيض الذي عايشه جان جينيه في مسرحه، وحياته.‏

وقد اختار صاحب «حمام بغدادي» تجسيده من خلال ذلك الانزلاق الطفيف في سطح المسرح. وكما نزل جينيه إلى عالم الخدم، كذلك تفعل الخشبة في سقوطها من غرفة السيدة إلى مساحة الخدم. هذا ما أدى إلى إضافة توتر متواصل على العرض من خلال الجهد الذي تبذله الممثّلتان في المحافظة على توازنهما على الخشبة المائلة، وهما تتأرجحان بين العلوي والسفلي. ضيق المساحة، وصوت طنين الحديد، واستبدال أزياء الخدم المرتّبة بثياب رثّة ممزقة، كلّها عناصر أسهمت في تقريب النسخة الجديدة من عوالم جينيه.‏

أما في النص، فكان طبيعياً حذف بعض المقاطع مع غياب دور السيدة. عدّل الأسدي النصّ، ومزج فيه بعض العبارات العاميّة. خيار اتّخذه منذ النسخة الأولى، لكنّه تبلور أكثر في النسخة الحالية كما تقول روي ديب حيث استطاعت الممثلتان، عبود وبو فرحات، أن تتبنّيا ذلك الخيار وتوظّفاه في خدمة انزلاقهما إلى المساحة السوقية من العرض، من دون أن يتّخذ ذلك شكل الكولاج السطحي الذي اعتدناه في مزج اللغات واللهجات في المسرح اللبناني.؟‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية